تعالى بفعلها له لغير الله، وهذا هو الذي سيق الحديث لبيان تحريمه، وأنه مبطلٌ للأعمال؛ لهذا أشار بقوله:"من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشريكه"، وهذا هو المسمّى بالرياء، وهو على الجملة مبطل للأعمال، وضده الإخلاص، وهو من شرط صحَّة العبادات، والقُرَب. انتهى (١).
[تنبيه]: قال القاري: لا يضره قصد الجنة وتوابعها مثلًا، فإنها من جملة مرضاته سبحانه، وإن كان المقام الأكمل أن لا يعبده لطمع جنة، أو خوف نار، فإنه عُدّ كفرًا عند بعض العارفين. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: كلام القاري هذا يُعدّ من هفوات العلماء، فكيف تكون عبادة الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين كفرًا؟ قال الله تعالى في وصف، الأنبياء عليهم السلام:{زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء: ٩٠] وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}[السجدة: ١٦] وقال: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}[النور: ٣٧] وقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ}[لقمان: ٣٣] إلى غير ذلك من الآيات، فمن اعتقد أن العبادة لخوف النار، والطمع في الجنة يُعدّ كفرًا فهو ضالّ مضلّ، وأما الذي نقله القاري، فهو منقول عن قوم جهلاء، لا يعرفون نصوص الكتاب والسُّنَّة، فلا تغترّ بنقل مثله عنهم، فإنه عين الضلال، والله تعالى المستعان.
وقوله:(تَرَكتُهُ وَشِرْكَهُ) خبر "مَنْ"، والواو بمعنى "مع"، أو المعنى: تركته عن نظر الرحمة، وتركت عمله المشترك عن في درجة القبول، وفي رواية:"فأنا منه بريء" قيل: من ذلك العمل، والأظهر من عامل ذلك العمل؛ لئلا يكون تكرارًا مع قوله:"هو للذي كمله": "هو"؛ أي: ذلك العمل "للذي عمله"؛ أي: لأجل، ممن قصده بذلك العمل رياء، وسمعة، وهو تأكيد لِمَا قبله.
قال القاري رحمه الله: ولنذكر بقية كلام الشراح، فقال ابن الملك رحمه الله:"أغنى" أفعل تفضيل مِن غَنِيَ به عنه غنية؛ أي: استغنى به عنه، وإضافته إما للزيادة المطلقة؛ أي: أنا غني من بين الشركاء، وإما للزيادة على ما أضيف إليه؛