كان في الخلوة، لكان لا يفعله، ولا يحمله ذلك القصد على العمل، ولو لم يكن الثواب لكان قَصد الرياء يحمله على العمل، فقَصْد الثواب فيه لا ينفي عنه المقت.
والثالثة: أن يكون قَصْد الثواب والرياء متساويين، بحيث لو كان واحد خاليًا عن الآخر لم يبعثه على العمل، فلما اجتمعا انبعثت الرغبة، وظواهر الأخبار تدلّ على أنه لا يَسْلَم رأسًا برأس.
والرابعة: أن يكون اطلاع الناس مرجحًا مقويًا لنشاطه، ولو لم يكن لم يترك العبادة، ولو كان قَصْد الرياء وحده لَمَا أقدم، فالذي نظنه، والعلم عند الله أنه لا يحبط أصل الثواب، ولكنه يُنقص منه، أو يعاقب على مقدار قَصْد الرياء، ويثاب على مقدار قصد الثواب.
وأما قوله:"أنا أغنى الشركاء" فهو محمول على ما إذا تساوى القصدان، أو كان قصد الرياء أرجح. انتهى، ذكره القاري في "المرقاة"(١).
وقد أجاد الحافظ ابن رجب رحمه الله في هذا البحث في كتابه الممتع "جامع العلوم والحكم"، وفصّله تفصيلًا مستوعبًا لأقسامه، حيث قال:
واعلم: أن العمل لغير الله أقسام:
فتارة: يكون رياء محضًا، بحيث لا يراد به سوى مرئيات المخلوقين؛ لغرض دنيويّ، كحال المنافقين في صلاتهم، قال الله عز وجل:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} الآية [النساء: ١٤٢] وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ}[الماعون: ٤] وكذلك وصف الله تعالى الكفار بالرياء المحض، في قوله:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ}[الأنفال: ٤٧] وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة، والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة، والحج، وغيرهما من الأعمال الظاهرة، والتي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله، والعقوبة.