للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بقوله، وقراءته: إذا أظهر، وأعلن؛ لأنه راجع لتفسير قوله أوّلًا: "إلا المجاهرون"، قال: وأما "المجانة"، فتصحيف، وإن كان معناها لا يبعد هنا؛ لأن الماجن هو الذي يستهتر في أموره، وهو الذي لا يبالي بما قال، وما قيل له.

وتعقّبه الحافظ، فقال: بل الذي يظهر رجحان هده الرواية، لأن الكلام المذكور بعده لا يرتاب أحد أنه من المجاهرة، فليس في إعادة ذكره كبير فائدة، وأما الرواية بلفظ: "المجانة"، فتفيد معنى زائدًا، وهو أن الذي يجاهر بالمعصية يكون من جملة المجان، والمُجّانة مذمومة شرعًا، وعرفًا، فيكون الذي يُظهر المعصية قد ارتكب محذورين: إظهار المعصية، وتلبسه بفعل المُجان.

قال عياض: وأما "الإهجار" فهو الفحش، والخناء، وكثرة الكلام، وهو قريب من معنى المجانة، يقال: أهجو في كلامه، وكأنه أيضًا تصحيف من الجهار، أو الإجهار، وإن كان المعنى لا يبعد أيضًا هنا.

وأما لفظ "الهجار" فبعيد لفظًا ومعنى؛ لأن الهجار الحبل، أو الوتر تُشَدّ به يد البعير، أو الحلقة التي يُتَعَلَّم فيها الطعن، ولا يصح له هنا معنى، والله أعلم.

وتعقّبه الحافظ أيضًا، فقال: بل له معنى صحيح أيضًا، فإنه يقال: هجر، وأهجر: إذا أفحش في كلامه، فهو مثل جهر، وأجهر، فما صح في هذا صح في هذا، ولا يلزم من استعمال الهجار بمعنى الحبل، أو غيره أن لا يستعمل مصدرًا من الْهُجر بضم الهاء (١). انتهى (٢).

(أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا)؛ أي: أن يذنب ذنبًا (ثُمَّ يُصْبِحُ)؛ أي: يدخل في الصباح، والحال أنه (قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ) عن أعين الناس، فلم يطّلع عليه أحد، (فَيَقُولُ) متبجّحًا، ومستهترًا بعمله السيّئ: (يَا فُلَانُ) لبعض أصحابه القرناء السوء، (قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا) "البارحة" هي أقرب ليلة مضت من، وقت القول، تقول: لقيته البارحة، وأصلها من بَرِحَ: إذا زال، قاله في "الفتح" (٣).


(١) وللعينيّ تعقبات على الحافظ في هذا البحث، فراجع شرحه.
(٢) "الفتح" ١٣/ ٦٣٥.
(٣) "الفتح" ١٣/ ٦٣٥.