فحمد الله فشمته"، رواه مسلم، وللبخاريّ من وجه آخر عن أبي هريرة: "خمس تجب للمسلم على المسلم، فذكر منها التشميت، وهو عند مسلم أيضًا، وفي حديث عائشة، عند أحمد، وأبي يعلى:"إذا عطس أحدكم، فليقل: الحمد لله، وليقل من عنده: يرحمك الله"، ونحوه عند الطبرانيّ من حديث أبي مالك.
وقد أخذ بظاهرها ابن مزين من المالكية، وقال به جمهور أهل الظاهر، وقال ابن أبي جمرة: قال جماعة من علمائنا: إنه فرض عين، وقواه ابن القيم في "حواشي السنن"، فقال: جاء بلفظ الوجوب الصريح، وبلفظ الحقّ الدال عليه، وبلفظ "على" الظاهرة فيه، وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه، وبقول الصحابيّ: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ولا ريب أن الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء.
وذهب آخرون إلى أنه فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ورجحه أبو الوليد بن رشد، وأبو بكر ابن العربيّ، وقال به الحنفية، وجمهور الحنابلة.
وذهب عبد الوهاب، وجماعة من المالكية إلى أنه مستحب، ويجزئ الواحد عن الجماعة، وهو قول الشافعية، والراجح من حيث الدليل القول الثاني، والأحاديث الصحيحة الدالة على الوجوب، لا تنافي كونه على الكفاية، فإن الأمر بتشميت العاطس، وإن ورد في عموم المكلفين، ففرض الكفاية يخاطَب به الجميع على الأصح، ويسقط بفعل البعض، وأما من قال: إنه فرض على مبهم، فإنه ينافي كونه فرض عين، قاله في "الفتح".
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن القول بكونه فرض عين هو الأظهر؛ لحديث البخاريّ:"فإذا عطس، فحمد الله، فحقّ على كل مسلم سمعه أن يشمته"، فهذا نصّ صريح في إيجابه على كلّ من سمعه، فالقول بأنه كفائيّ ينافي هذا النصّ الصريح، فتأمل بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وبالسند المتَّصل إلى المؤلِّف رَحِمَهُ اللهُ أوّلَ الكتاب قال: