التواضع؛ للطينة، فإن تكبر فلعارض بقلبه، لما فيه من النارية، كما يقبل اختلاف الصور في خياله، وأحواله من الهوائية، وأعطى الجانّ التكبر؛ للنارية، فإن تواضع فلعارض؛ لِمَا فيه من الترابية، كما يقبل الثبات على الإغواء، إن كان شيطانًا، وعلى الطاعة إن لم يكن، ففيهم الطائع والعاصي، ولهم التشكل في أي صورة شاؤوا، وفيهم التناسل، كما مر (١)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في هذا الحديث إثبات وجود الملائكة، وأنهم مخلوقون من نور، قال في "الفتح": قال جمهور أهل الكلام من المسلمين: الملائكة أجسام لطيفة، أعطيت قدرة على التشكل بأشكال مختلفة، ومسكنها السماوات، وأبطل من قال: إنها الكواكب، أو إنها الأنفس الخيرة التي فارقت أجسادها، وغير ذلك من الأقوال التي لا يوجد في الأدلة السمعية شيء منها، وقد جاء في صفة الملائكة، وكثرتهم أحاديث:
منها: ما أخرجه مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - مرفوعًا:"خُلقت الملائكة من نور … " الحديث.
ومنها: ما أخرجه الترمذيّ، وابن ماجه، والبزار، من حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه - مرفوعًا:"أَطَّت السماء، وحُقّ لها أن تَئِطّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملَك ساجد … " الحديث.
ومنها: ما أخرجه الطبراني من حديث جابر - رضي الله عنه - مرفوعًا:"ما في السماوات، السبع موضع قدم، ولا شبر، ولا كفّ إلا وفيه ملك قائم، أو راكع، أو ساجد".
وللطبرانيّ نحوه من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
وذكر في "ربيع الأبرار" عن سعيد بن المسيِّب قال: الملائكة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا، ولا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتناكحون، ولا يتوالدون.
قال الحافظ: وفي قصة الملائكة مع إبراهيم وسارة ما يؤيد أنهم لا يأكلون.
وأما ما وقع في قصة الأكل من الشجرة أنها شجرة الخلد التي تأكل منها الملائكة، فليس بثابت.