فأخرج ابن حبّان من طريق سعيد بن عبد العزيز، قال: قيل للزهريّ: لَمّا قَدِم من عند هشام بن عبد الملك: ماذا صنع بك؟ قال: أوفى عني ديني، ثم قال: يا ابن شهاب تعود تَدّان؟ قلت: لا، وذكر الحديث.
وقال أبو داود الطيالسيّ بعد تخريجه: لا يعاقب في الدنيا بذنب، فيعاقبَ به في الآخرة، وحَمَله غيره على غير ذلك، قيل: المراد بالمؤمن في هذا الحديث: الكامل الذي قد أوقفته معرفته على غوامض الأمور، حتى صار يحذر مما سيقع، وأما المؤمن المغفل فقد يُلدغ مرارًا.
(مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ") قال في "الفتح": ووقع في بعض النسخ: "من جحر حيّة"، وهي زيادة شاذّة، قال ابن بطال: وفيه أدب شريف، أَدّب به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمته، ونبّههم كيف يحذرون مما يخافون سوء عاقبته، وفي معناه حديث: "المؤمن كَيِّسٌ حَذِرٌ"، أخرجه صاحب "مسند الفردوس" من حديث أنس بسند ضعيف، قال: وهذا الكلام مما لم يُسبق إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأول ما قاله لأبي عَزّة الْجُمَحيّ، وكان شاعرًا، فأُسر ببدر، فشكى عائلة، وفقرًا، فمَنَّ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأطلقه بغير فداء، فظَفِر به بأُحُد، فقال: مُنّ عليّ، وذكر فقره وعياله، فقال: "لا تمسح عارضيك بمكة، تقول: سخرت بمحمد مرتين"، وأمر به فقُتل.
وأخرج قصته ابن إسحاق في "المغازي" بغير إسناد، وقال ابن هشام في "تهذيب السيرة": بلغني عن سعيد بن المسيِّب أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال حينئذٍ: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".
وصنيع أبي عبيد في "كتاب الأمثال" مشكل على قول ابن بطال أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أول من قال ذلك، ولذلك قال ابن التين: إنه مَثَل قديم.
وقال التوربشتيّ: هذا السبب يضعّف الوجه الثاني؛ يعني: الرواية بكسر الغين، على النهي.
وأجاب الطيبيّ بأنه يوجَّه بأن يكون - صلى الله عليه وسلم - لمّا رأى من نفسه الزكية الميل إلى الحلم جرّد منها مؤمنًا حازمًا، فنهاه عن ذلك، يعني: ليس من شميمة المؤمن الحازم الذي يَغضب لله، أن ينخدع من الغادر المتمرّد، فلا يستعمل الحِلم في حقه، بل ينتقم منه، ومن هذا قول عائشة - رضي الله عنه -: "ما انتقم لنفسه، إلا أن تُنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها".
قال: فيستفاد من هذا أن الحلم ليس محمودًا مطلقًا، كما أن الجود ليس