للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ صُهَيْبٍ) بالتصغير ابن سنان مولى عبد الله بن جُدعان التيميّ، يكنى أبا بحيى، كانت منازلهم بأرض الموصل، فيما بين دجلة والفرات، فأغارت الروم على تلك الناحية، فسَبَتْه، وهو غلام صغير، فنشأ بالروم، فابتاعته منهم كلب، ثم قَدِمت به مكة، فاشتراه عبد الله بن جُدعان، فأعتقه، فأقام معه إلى أن هلك، وأسلم قديمًا بمكة، وكان من المستضعَفين المعذَّبين في الله بمكة، ثم هاجر إلى المدينة، وفيه نزل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} الآية [البقرة: ٢٥٧].

(قَالَ) صهيب - رضي الله عنه -: (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَجَبًا) منصوب بفعل مقدّر؛ أي: عجبت عجبًا (لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ)؛ أي: لشأنه، وما له في كل حاله، (إِنَّ أَمْرَهُ كلَّهُ) بالنصب، ويجوز رفعه، كما قرئ بالوجهين في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: ١٥٤]، (خَيْرٌ) وفي نسخة: "له خير أي: جميع أموره له خير، أي: خير له في المآل، وإن كان بعضه شرًّا صوريًّا في الحال، وقدَّم الظرف اهتمامًا. (وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ) قال الطيبيّ رَحِمَهُ اللهُ: قوله: "إلا للمؤمن" مظهر وقع موقع المضمَر، ليشعر بالعِليّة (١). (إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ)؛ أي: نعماء، وسعة عيش، ورخاء، وتوفيق طاعة من أداء، وقضاء، (شَكَرَ) ربّه على توفيقه لذلك، (فَكَانَ) شكره (خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ)، أي: فقر، ومرض، ومحنة، وبلية (صَبَرَ) عليها (فَكَانَ) صَبْره ذلك (خَيْرًا لَهُ") وبهذا تبيَّن قول بعضهم: إنه لا يقال على الإطلاق: إن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر، بل حالة التفويض والتسليم أَولى، والقيام بمقتضى الوقت أعلى، بحَسَب اختلاف الأحوال، وتفاوت الرجال، قال تعالى جل جلاله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢١٦]، وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (٣٠)} [الإسراء: ٣٠] وفي الحديث القدسيّ: "إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، فلو أغنيته لفسد حاله، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى، فلو أفقرته لضاع حاله" (٢)،


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٠/ ٣٣٣٤.
(٢) لم أجد من أخرجه، حتى يُنظر في حال سنده، بل أورده ابن كثير في "تفسيره" هكذا، والله تعالى أعلم.