للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولذا قال عمر - رضي الله عنه -: الفقر والغنى مطيتان، لا أبالي أيتهما أركب، وعلى هذا الاختلاف الواقع بين القوم في طلب طول العمر؛ لطاعة الله، أو طلب الموت؛ لخوف الفتنة، أو للاشتياق إلى لقاء الله تعالى، ثم المعتمَد التفويض والتسليم، كما أشار - صلى الله عليه وسلم - إليه في دعائه: "اللَّهُمَّ أحيني ما دامت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لى من كل شر".

ثم وَجْه حصر الخير في كل حال للمؤمن الكامل؛ لأن غيره إن أصابته سراء شبع، وبطر، وإن أصابته ضراء جَزِع وكفر، بخلاف حال المؤمن، فإنه كما قال القائل [من الطويل]:

إِذَا كَانَ شُكْرُ نِعْمَةِ اللهِ نِعْمَةً … عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ

فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ … وَإِنْ طَالت الأَيَّامُ وَاتَّسَعَ العُمْرُ

إِذَا مُسَّ بِالنَّعْمَاءِ عَمَّ سُرُورُهَا … وَإِنْ مُسَّ بِالضَّرَّاءِ أَعْقَبَهُ الأَجْرُ (١)

وقال المناويّ رحمه اللهُ: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن" وليس ذلك للكافرين، ولا للمنافقين، ثم بيَّن وجه العجب بقوله: "إن أصابته سراء" كصحة، وسلامة، ومال، وجاه "شكر" الله على ما أعطاه، "فكان خيرًا" له، فإنه يُكتب في ديوان الشاكرين، "وإن أصابته ضراء" كمصيبة "صبر، فكان خيرًا له" فإنه يصير من الأحزاب الصابرين الذي أثنى عليهم في كتابه المبين، فالعبد ما دام قلم التكليف جاريًا عليه، فمناهج الخير مفتوحة بين يديه، فإنه بين نعمة يجب عليه شُكر المنعِم بها، ومصيبة يجب عليه الصبر عليها، وأمر ينفذه، ونهي يجتنبه، وذلك لازم له إلى الممات. انتهى (٢). والله تعالى أعلم.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث صهيب - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف رحمه اللهُ.

(المسألة الثانية): في تخريجه:


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٠/ ٣٣٣٤، و"مرقاة المفاتيح" ١٥/ ٢١٢.
(٢) "فيض القدير" ٤/ ٣٠٢.