للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

محسن، والله شاهد عليه على الجزم، وأن الله يجب عليه أن يفعل به كذا وكذا، (وَلَا أُزَكِّي) بهمزة المتكلّم، (عَلَى اللهِ أَحَدًا) وفي رواية للبخاريّ: "ولا يُزكَّى على الله أحد"، قال في "الفتح": كذا لأبي ذرّ عن المستملي، والسرخسيّ بفتح الكاف، على البناء للمجهول، وفي رواية الكشميهنيّ: "ولا يزكي" بكسر الكاف على البناء للفاعل، وهو المخاطب أوّلًا المقول له: "فليقل" وكذا في أكثر الروايات، أي: لا يقطع على عاقبة أحد، ولا على ما في ضميره؛ لكون ذلك مغيبًا عنه، وجيء بذلك بلفظ الخبر، ومعناه النهي؛ أي: لا تزكوا أحدًا على الله؛ لأنه أعلم به منكم.

وقوله: (أَحْسِبُهُ)؛ أي: أظن فلانًا، وجملة قوله: (إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ) معترضة بين الفعل والمفعول الثاني، وهو قوله: (كَذَا وَكَذَا") والمعنى: أنه إن كان يعلم مما يظهر من حال الممدوح أنه كذا، وكذا؛ أي: عابد، وكريم، ونحو ذلك فليقل: أحسبه كذا وكذا.

وقال القرطبيّ رحمه اللهُ: قوله: "قطعت عنق صاحبك وفي حديث أبي موسى: "قطعتم ظهر الرجل" كل ذلك بمعنى أهلكتموه، وقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "إياكم، والمدح، فإنَّه الذبح"، رواه أحمد، ويعني بذلك كله أن الممدوح إذا أُكثر عليه من ذلك يُخاف عليه منه العُجب بنفسه، والكِبْر على غيره، فيهلك دينه بهاتين الكبيرتين، فإذًا المدح مظنة الهلاك الديني، فيحرم، لكن هذه المظنة لا تتحقّق إلا عند الإكثار منه، والإطراء به، وأما مع الندرة والقلّة فلا يكون مظنة، فيجوز ذلك إذا كان حقًّا في نفسه، ولم يقصد به الإطراء، وأُمِن على الممدوح الاغترار به، وعلى هذا يُحمل ما وقع للصحابة - رضي الله عنهم - من مَدْح بعضهم لبعض مشافهةً، ومكاتبةً، وقد مُدِح النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مشافهة نظمًا ونثرًا، ومَدَح هو أيضًا جماعة من أعيان أصحابه مشافهة، لكن ذلك كله إنما جاز لَمّا صحّت المقاصد، وأُمنت الآفات المذكورة.

وقوله: "إن كان أحدكم مادحًا أخاه لا محالة، فليقل: أحسب فلانًا، إن ما كان يرى أنه كذلك" ظاهر هذا أنه لا ينبغي للإنسان أن يمدح أحدًا ما وجد من ذلك مندوحة، فإنْ لم يجد بدًّا مدح بما يعلمه من أوصافه، وبما يظنّه، ويحترز من الجزم والقطع بشيء من ذلك، بل يتحرّز، بأن يقول: فيما أحسب، أو أظن، ويزيد على