بمنزلة الصب في الماء، والمراد زجر المادح، والحث على منعه من المدح، لإيرائه الغرور والتكبر، أو أنه يُخَيَّب، ولا يعطَى، أو معناه: أعطوهم قليلًا يشبه التراب؛ لقلّته، وخسّته، أو اقطعوا ألسنتهم بالمال، فإنه شيء حقير كالتراب، وهذا يؤذن بذم الاحتراف بالشعر، وقيل: لا تؤاخ شاعرًا، فإنه يمدحك بثمن، ويهجوك مجانًا، قال بعضهم:
وقال في "المرقاة": قوله: "المدّاحين"؛ أي: المبالغين في المدح، متوجهين إليكم طمعًا، سواء يكون نثرًا أو نظمًا، "فاحثوا" بهمزة وصل، وضم مثلثة؛ أي: ارموا في وجوههم، قيل: يؤخذ التراب، ويُرمَى به في وجه المداح؛ عملًا بظاهر الحديث، وقيل: معناه: الأمر بدفع المال إليهم؛ إذ المال حقير كالتراب بالنسبة إلى العرض في كل باب؛ أي: أعطوهم إياه، واقطعوا به ألسنتهم؛ لئلا يهجوكم، وقيل: معناه أعطوهم عطاء قليلًا، فشبّهه لقلّته بالتراب، وقيل: المراد منه أن يخيب المادح، ولا يعطيه شيئًا لمدحه، والمراد: زجر المادح، والحث على منعه من المدح؛ لأنه يجعل الشخص مغرورًا، ومتكبرًا.
قال الخطابيّ: المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة، وجعلوه بضاعة، يستأكلون به الممدوح، فأما من مَدَح الرجل على الفعل الحسن، والأمر المحمود، يكون منه ترغيبًا له في أمثاله، وتحريضًا للناس على الاقتداء في أشباهه، فليس بمداح.
وفي "شرح السُّنَّة": قد استعمل المقداد - رضي الله عنه - الحديث على ظاهره في تناول عين التراب، وحثيه في وجه المادح، وقد يُتأول على أن يكون معناه الخيبة والحرمان؛ أي: من تعرض لكم بالثناء والمدح، فلا تعطوه، واحرِموه، كني بالتراب عن الحرمان، كقولهم: ما في يده غير التراب، وكقوله: إذا جاءك يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابًا.
وفي الجملة المدح والثناء على الرجل مكروه؛ لأنه قلما يسلم المادح