(فَفَعَلُوا)؛ أي: فعل أصحاب الملك ما أمرهم به من قذف من لم يرجع عن دينه في تلك النار، (حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ) لم يُعرف اسمها، ولا اسم صبيّها، (وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا) فأمرها بدخول النار، (فَتَقَاعَسَتْ)؛ أي: توقّفت، وتأخّرت، وتباطأت، (أَنْ تَقَعَ فِيهَا)؛ أي: في تلك النار.
وقال القرطبيّ رحمه اللهُ: قوله: "فتقاعست"؛ أي: تأخرت، وامتنعت، وقد أظهر الله تعالى لهذا الملك الجبار الظالم من الآيات البيّنات ما يدلّ على القطع، والثبات أن الراهب والغلام على الدين الحقّ، والمنهج الصدق، لكن من حُرم التوفيق استدبر الطريق. وفي هذا الحديث إثبات كرامات الأولياء، وقد تقدَّم القول فيها. انتهى (١).
(فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ)؛ أي: صبيها الذي معها، (يَا أُمَّهِ اصْبِرِي)"أمه" بكسر الميم على حذف ياء المتكلّم؛ اجتزاء عنها بالكسرة، وبهاء السكت، وتفتح الميم مع هاء السكت على قلب ياء المتكلّم ألفًا، وحَذْفها؛ اجتزاء عنها بالفتحة، وعلى كلا التقديرين فهاء السكت ساكنة، وإنما حُركت هنا بالكسرة؛ لالتقاء الساكنين.
[تنبيه]: ذكر ابن مالك رحمه الله في "الخلاصة" قاعدة الاسم إذا نودي مضافًا إلى ياء المتكلم، كيا عبدي، ويا أبي، ويا أمي، فقال:
(فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ") الذي هو التوحيد، قيل: إن هذا الغلام الذي كلّم أمه أحد الستّة الذين تكلموا في المهد، كما في "شرح الأبيّ"، وكونه في المهد ليس صريحًا في رواية مسلم هنا، ولكن وقع عند النسائي في "السنن الكبرى": "فجاءت امرأة بابن لها تُرضعه"، وهو صريح في كونه رضيعًا.
ووقع في رواية الترمذيّ في آخر هذا الحديث زيادة، وهي، "قال: يقول الله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (٥)} [البروج: ٤ - ٥]