للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقَالَ النَّاسُ:) المجتمعون في ذلك الصعيد لما شاهدوا ذلك، وعلموا أن الدين الحق هو دين ذلك الغلام، (آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ) كرّروه للتأكيد، (فَأُتِيَ الْمَلِكُ، فَقِيلَ لَهُ) ببناء الفعل لمفعول في الموضعين؛ أي: أتاه آت من خواصّ دولته الذين يهتمون بشأنه، فقالوا: (أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ)؛ أي: أخبرنا عما كنت تحذره، وتخاف منه، وهو أن يؤمن جميع الناس بالله تعالى، (قَدْ وَاللهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ)؛ أي: ما كنت تخافه، وهو أنه (قَدْ آمَنَ النَّاسُ) كلهم بربّ الغلام، وتركوك خائبًا ذليلًا حقيرًا، فعندما سمع ذلك غضب غضبًا شديدًا، (فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ)؛ أي: بشقّ الأُخدود، وهو بضمّ الهمزة، وسكون الخاء المعجمة: الشقّ العظيم، يُجمع على أخاديد، (فِي أَفْوَاهِ) وفي بعض النسخ: "بأفواه" (السِّكَكِ)؛ أي: على أبواب الطرق، ومداخلها، (فَخُدَّتْ) بالبناء للمفعول؛ أي: شُقّت الأخدود على أفواه الطرق، وإنما شُقّت على أفواه الطرق، لئلا يتمكن الناس من الهروب، (وَأَضْرَمَ) بالبناء للفاعل؛ أي: أوقد، وأشعل (النِّيرَانَ) في تلك السكك، (وَقَالَ) ذلك الملك: (مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ) الحقّ الذي هو دين ذلك الغلام (فَأَحْمُوهُ فِيهَا) قال النوويّ رحمه اللهُ: هكذا هو في عامة النسخ: "فأحموه" بهمزة قطع، بعدها حاء ساكنة، ونقل القاضي اتفاق النُّسخ على هذا، ووقع في بعض نُسخ بلادنا. "فأقحموه" بالقاف، وهذا ظاهر، ومعناه: اطرحوه فيها كُرْهًا، ومعنى الرواية الأُولى: ارموه فيها، من قولهم: حَمَيت الحديدة وغيرها: إذا أدخلتها النار؛ لتحمى. انتهى (١).

(أَوْ) للشك؛ أي: أو قال: (قِيلَ لَهُ)؛ أي: لمن لم يرجع عن دينه، (اقْتَحِمْ)؛ أي: ادخل فيها.

وقال القرطبيّ رَحمه اللهُ: وقوله: "أو قيل: اقتحم" هذا شكّ من بعض الرواة، "فأحموه فيها" معناه: ألقوه فيها، وأدخلوه إياها، يقال: أحميت الحديدَ والشيءَ في النار: إذا أدخلته فيها. قال القاضي أبو الفضل: "واقتحم" أدخل على كره، ومشقة (٢).


(١) "شرح النوويّ" ١٨/ ١٣٣.
(٢) "المفهم" ٧/ ٤٢٨.