للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ) الغلام (كَفَانِيهِمُ اللهُ) فأغرقهم، ونجوت بفضله، ثم أراد الغلام أن يدخل الناس في دين الله تعالى أفواجًا (فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ)؛ أي: من كيفيّة قتلي. (قَالَ) الملك: (وَمَا هُوَ؟)؛ أي: أيّ شيء أقدر به على قتلك؟ (قَالَ) الغلام: (تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ)، أي: في أرض بارزة واسعة، (وَتَصْلُبُنِي)؛ أي: تعلّقني (عَلَى جِذْعٍ) من جذوع النخل؛ أي: على خشب من الأخشاب حتى يتمكن الناس من النظر إليّ حين أُقتل في الله عزَّ وجلَّ، فيؤمنوا به، (ثُمَّ خُذْ سَهْمًا)؛ أي: نَبْلًا (مِنْ كِنَانَتِي) بكسر الكاف: السهام، من أَدَم، وبها سمّيت القبيلة (١). (ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ)، أي: في مقبضها عند الرمي، (ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ) أقتله، (ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي)؛ أي: تقدر على قتلي، وإلا فلن تستطيع ذلك. (فَجَمَعَ) الملك (النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ) كما أمره به، (ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ)، أي: في مقبضه، (ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ) أرميه، (ثمَّ رَمَاهُ) به (فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ)؛ أي: في صدغ الغلام، والصدغ، بضم الصاد، وسكون الدال المهملتين: ما بين لَحْظ العين إلى أصل الأذن، والجمع أصداغ، مثل قُفل وأقفال (٢).

(فَوَضَعَ) الغلام (يَدَهُ فِي صُدْغِهِ)، وقوله: (فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ) بدل مما قبله، (فَمَاتَ) ذلك الغلام.

قال القاضي عياض: سعيه؛ أي: تسببه في قتل نفسه إنما هو لِيُشهر أمر الإيمان في الناس، ويروا برهانه، كما وقع. قال القرطبيّ: ويجاب أيضًا بأنه غير بالغ، أو علم أنه لا بدّ أن يُقتل.

والحاصل: أنه إنما علّم الملِك بكيفية قتله، مع أن قتل النفس حرام؛ لأنه عَلِم أنه لا بد أن يُقتل، وإنما نجاته الآن بطريق الكرامة لإحقاق الحقّ، فأمره بما يتضح به الحقّ لجميع الناس، فيؤمنوا، فيكون سببًا لهدايتهم، وهذا كالمجاهد الذي يُقحم نفسه في معركة القتال؛ لإعلاء كلمة الله عزَّ وجلَّ، والله تعالى أعلم.


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٤٢.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٣٣٥.