للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شديدًا، ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ} [المزمل: ١٤]. وقال القاضي عياض رحمه اللهُ: روى هذا الحرف لنا الخشنيّ عن الطبريّ: "فزحف" بالحاء والزاي، والرواية الأولى عليها جماعة شيوخنا، وهي أصحّ، وإن كان قد يكون الزحف بمعنى الحركة والتقدّم، يقال: زحف القوم إلى عدوهم؛ أي: نهضوا. انتهى (١).

(فَسَقَطُوا) من الجبل، وهلكوا جميعًا، (وَجَاءَ) الغلام، حال كونه (يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟) الذين ذهبوا بك إلى الجبل، أهم أحياء، أم أموات؟ (قَالَ) الغلام: (كَفَانِيهِمُ اللهُ) تعالى، فرجف بهم الجبل، فهلكوا. (فَدَفَعَهُ)؛ أي: دفع الملك الغلام مرّةً أخرى محاولًا إهلاكه بطريق أخرى، (إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ، فَاحْمِلُوهُ)؛ أي: اجعلوه محمولًا (فِي قُرْقُورٍ) وفي نسخة: قرقورة"، والقرقور بضمّ القافين، بينهما راء ساكنة، وذكر بعض العلماء أن القرقور سفينة كبيرة، وذكر بعضهم أنها سفينة صغيرة، والراجح الذي يدلّ عليه سياق الحديث أنها الصغيرة، لأنها هي التي تُستعمل في مثل هذه المواقع، لا الكبيرة، وقال ابن دُريد، وصاحب "العين": القرقور ضَرْب من السفن، والمناسب للحال والحديث أنه الصغير؛ لأنه الذي يُستعمل في مثل هذا الحَمْل، وفي حديث قصّة موسى عليه السَّلام: "فلما رأوا التابوت في اليمّ ركبوا القواقير حتى أتوا به"، والكبير إنما يستعمل في عظام الأمور، ولعل الملك قصد الكبير ليتوسّطوا به البحر، ويُبعدوه (٢).

وقال القرطبيّ: القرقور ضرب من السفن عربيّ معروف، والمعروف عند الناس فيه استعماله فيما صَغُر منها، وخفّ للتصرّف فيه. انتهى (٣).

(فَتَوَسَّطُوا بِهِ)؛ أي: بالغلام (الْبَحْرَ، فَإنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ)؛ أي: فاتركوه، (وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ)؛ أَي: ارموه فيه حتى يموت. (فَذَهَبُوا بِهِ)؛ أي: فتوسَّطوا به البحر، فعند ذلك دعا الله عزَّ وجلَّ (فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ)؛ أي: بأي سبب شئت هلاكهم به، (فَانْكَفَأَتْ)؛ أي: انقلبت (بِهِمُ السَّفِينَةُ، فَغَرِقُوا) بكسر الراء؛ أي: ماتوا بالغرق، (وَجَاءَ) الغلام حال كونه (يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ


(١) "إكمال المعلم" ٨/ ٥٥٦.
(٢) "شرح الأبيّ" ٧/ ٣٠٧.
(٣) "المفهم" ٧/ ٤٢٧.