فلا يلزم من دلالته عليه قتله، وعن معونته على قتل نفسه أنه لمّا غلب على ظنه أنه مقتولٌ ولا بد، أو علم بما جعل الله في قلبه، أرشدهم إلى طريق يُظهر الله بها كرامته، وصحة الدين الذي كانا عليه، لِيُسلم الناس، وليدينوا دين الحق عند مشاهدة ذلك كما كان، وقد أسلم عثمان - رضي الله عنه - نفسه عند علمه بأنه يُقتل، ولا بدّ بما أخبره النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، كما بيّنّاه (١).
فلما علم الملك بأمر الراهب أرسل إليه، (فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ) إلى الملك (فَقِيلَ لَهُ)؛ أي: للراهب، (ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ) الذي أنت عليه من الإيمان بالله، والدعوة إليه، (فَأَبَى)؛ أي: أن يرجع عن دينه (فَدَعَا) الملك (بِالْمِنْشَارِ) مهموز في رواية الأكثرين، ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها ياء، وروي بالمنشار بالنون، وهما لغتان، وهي آلة يُقطع بها الخشب، ويُنشر. (فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ)؛ أي: في وسط رأس الراهب، و"المفرق" بكسر الراء، وفتحها؛ كمقعد، ومجلس: وسط الرأس الذي يُفرق فيه الشعر، (فَشَقَّهُ) نصفين (حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ)؛ أي: جانباه على الأرض، (ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ) الذي دخلت فيه، وهو دين الراهب، (فَأَبَى)؛ أي: امتنع عن الرجوع، (فَوَضَعَ) الملك (الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ بِهِ)؛ أي: بذلك المنشار (حَتَّى وَقَعَ) على الأرض (شِقَّاهُ)؛ أي: جانباه. (ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَي)؛ أي: امتنع عن الرجوع، (فَدَفَعَهُ)؛ أي: دفع الملك الغلام (إِلَى نَفَرٍ)؛ أي: جماعة (مِنْ أَصْحَابِهِ)؛ أي: أعوانه، (فَقَالَ) الملك لهم: (اذْهَبُوا بِهِ)؛ أي: بهذا الغلام (إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا) لجبل سمّاه، وعيّنه، (فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ) بتثليث الذال المعجمة: أعلاه، (فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ) حُذف الجواب؛ أي: فاتركوه (وَإلَّا)؛ أي: إنْ لم يرجع (فَاطْرَحُوهُ)، أي: ألقوه من ذروة الجبل؛ ليتردى، فيموت مترديًا. (فَذَهَبُوا بِهِ)؛ أي: ذهب أولئك المأمورون بذلك الغلام، (فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ) ليطرحوه إن لم يرجع عن دينه، (فَـ) ـدعا الله تعالى، وتضرّع إليه، و (قَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ) من مكرك بهم، (فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ)؛ أي: اضطرب، وتحرّك تحرّكًا