للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(أَحَدًا) من الناس من مرضه، ولا أردّ بصرك، (إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ) تعالى من الأمراض، ويردّ البصر، (فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ)؛ أي: صدّقت بربوبيّته، واعترفت بألوهيّته، وأسمائه وصفاته (دَعَوْتُ اللهَ) تعالى لك (فَشَفَاكَ) من مرض العمى، وردّ إليك بصرك. (فَآمَنَ) الجليس (بِاللهِ) تعالى، فدعا له الغلام بالشفاء، (فَشَفَاهُ اللهُ) وردّ عليه بصره، (فَأَتَى الْمَلِكَ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ)؛ أي: عنده (كَمَا كَانَ يَجْلِسُ) سابقًا قبل أن يصيبه العمى، (فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ) متعجّبًا من حاله: (مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟) حتى أبصرت، وجلست جنبي، (قَالَ) الجليس: (رَبِّي)؛ أي: ردّ عليّ بصري ربي الذي آمنت به، (قَالَ) الملك: (وَلَكَ) بتقدير همزة الاستفهام؛ أي: أوَ لك (رَبٌّ غَيْرِي؟) في هذا دليل على أن ذلك الملك كان يدعي الربوبيّة، ففيه ردّ على من زعم أنه كان يهوديًّا. (قَالَ) الجليس: (رَبِّي) الذى خلقني، وربّاني، (وَرَبُّكَ) الذي خلقك وربّاك، هو (اللهُ) سبحانه وتعالى، (فَأَخَذَهُ)؛ أي: أخذ الملك جليسه الأعمى الذي ردّ الله تعالى بصره إليه لمّا آمن، (فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ) بأنواع العذاب حتى يرجع عن دينه، ويدلّ على من أرشده إليه، (حتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ) فأرسل الملك إليه، (فَجِيءَ بِالْغُلَامِ) بين يدي الملك (فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ) بالتصغير تصغير إشفاق ولطف، وقيل: تصغير تحقير وإهانة، والظاهر من السياق الأول. (قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ)؛ أي: بعض سحرك، فكيف كلّه، أو "من" زائدة على قول من يرى زيادتها في الإثبات، (مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ) "ما" مصدرّية، مجرورة بـ "إلى" مقدّرة؛ أي: إلى إبرائك الأكمه (وَالأَبْرَصَ، وَتَفْعَلُ) به كذا (وَتَفْعَلُ) به كذا، والظاهر أنه كناية عما قام به من دعوة الناس إلى الله تعالى. (فَقَالَ) الغلام: (إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا) بقدرتي، (إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ) تعالى بإذنه، (فَأَخَذَهُ)؛ أي: أخذ الملك الغلام بالتعذيب، (فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ) ليدلّ على من علّمه هذا الدين (حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ) إنما دلّ عليه مع أنه أوصاه بأن لا يدلّ عليه؛ لشدّة العذاب الذي عذّبه به الملِك.

وقال القرطبيّ رحمه اللهُ: فإن قيل: كيف يجوز في شرعنا ما فعل الغلام من دلالته على الراهب للقتل، ومن إرشاده إلى كيفية قتل نفسه؟!.

فالجواب من وجهين: أحدهما: أن الغلام غير مكلَّف، لأنَّه لم يبلغ الحلم، ولو سُلِّم أنه مكلف لكان العذر عن ذلك أنه لم يعلم أن الراهب يُقتل،