للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحكى بعض الناس أن "ما" في هذه الآية ظرفيّة؛ أي: ما دمتم تستحسنون النكاح. قال ابن عطيّة: وفي هذا المنزع ضعفٌ.

[الرابع]: قال الفرّاء: "ما" ههنا مصدرية. وقال النحاس: وهذا بعيدٌ جدًّا، لا يصحّ، فانكحوا الطيّبة.

[الخامس]: أن المراد بـ"ما" هنا العقد؛ أي: فانكحوا نكاحًا طيبًا، وقراءة ابن أبي عَبْلَة تردّ الأقوال الثلاثة.

واتفقوا على أن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} ليس له مفهوم؛ إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يَخَف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة، اثنين، أو ثلاثًا، أو أربعًا كمن خاف، فدلّ على أن الآية نزلت جوابًا لمن خاف ذلك، وأن حكمها أعمّ من ذلك. انتهى كلام القرطبيّ باختصار (١).

(قَالَتْ) عائشة -رضي الله عنها-: (يَا ابْنَ أُخْتِي) أختها هي أسماء بئت أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنهم-، والدة عبد الله بن الزبير، وعروة. (هِيَ الْيَتِيمَةُ)؛ أي: التي مات أبوها، (تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا)؛ أي: الذي يَلِي مالها. قال الفيّوميّ -رحمه الله-: "حَجر الإنسان" بالفتح، وقد يُكسر: حِضْنه، وهو ما دون إبطه إلى الكشح، وهو في حَجْره؛ أي: كَنَفه، وحِمَايته، والجمع حُجور. انتهى (٢).

(تُشَارِكُهُ فِي مَالِهِ، فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا، وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا) بضمّ الياء، من الإقساط؛ أي: يَعدِل في مهرها، وفي رواية: "ويريد أن ينتقص من صداقها"، (فَيُعْطِيَهَا) عطف على "يُقسِط"، عطف تفسير، وفيه دلالةٌ على النهي عن تزوّج امرأة يخاف في شأنها الجور، منفردةً، أو مجتمعة مع غيرها. (مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ)؛ يعني: أنه يريد أن يتزوّجها بغير أن يعطيها مثل ما يُعطيها غيره؛ أي: ممن يَرغَب في نكاحها سواه، ويدلّ على هذا قوله: (فَنُهُوا) بضم النون، والهاء، مبنيًّا للمفعول، (أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ) بفتح الياء بالبناء للمفعول؛ أي: يتزوّجوهنّ (إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ)؛ أي: أعلى عادة مهر مثلهنّ، (وَأُمِرُوا) بضم الهمزة، مبنيًّا


(١) "تفسير القرطبيّ" ٥/ ١٢ - ١٣.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ١٢٢.