للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التقدير: من غلب على ظنه التقصير في القسط لليتيمة، فليعدل عنها. انتهى. {أَلَّا تُقْسِطُوا}؛ أي: تعدلوا، يقال: أقسط الرجل: إذا عدل، وقَسَط إذا جار، وظلم صاحبه، قال الله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥)} [الجن: ١٥]؛ يعني: الجائرين. {فِي الْيَتَامَى} قال النسفيّ: يقال للإناث: اليتامى، كما يقال: للذكور، وهو جمع يتيمة، ويتيم، وأما أيتام فجمع يتيم، لا غير. انتهى (١).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه الله- في "المفهم": اليتيم في بني آدم من قِبَل فَقْد الأب، وفي غيرهم من قِبَل فقد الأمّ، وأصل اليتيم أن يقال: على من لم يبلُغ، وقد أُطلق في هذه الآية على المحجور عليها، صغيرةً كانت، أو كبيرةً؛ استصحابًا لإطلاق اسم اليتيم لبقاء الحَجْر عليها. وإنما قلنا: إن اليتيمة الكبيرة قد دخلت في الآية؛ لأنها قد أُبيح العقد عليها في الآية، ولا تُنكح اليتيمة الصغيرة، إذ لا إذن لها، فإذا بلغت جاز نكاحها، لكن بإذنها، كما قال -صلى الله عليه وسلم- فيما خرّجه الدارقطنيّ وغيره في بنت عثمان بن مظعون: "وإنها يتيمة، ولا تُنكح إلا بإذنها"، وهذا مذهب الجمهور، خلافًا لأبي حنيفة، فإنه قال: إذا بلغت لم تحتج إلى وليّ، بناءً على أصله في عدم اشتراط الوليّ في صحّة النكاح. انتهى (٢).

{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}.

قال أبو عبد الله القرطبيّ -رحمه الله-: إن قيل: كيف جاءت "ما" للآدميين، وإنما أصلها لِمَا لا يعقِلُ، فعنه أجوبة خمسة:

[الأول]: أن "من" و"ما" قد يتعاقبان، قال الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (٥)} [الشمس: ٥]؛ أي: ومن بناها، وقال: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور: ٤٥] فـ"ما" ههنا لمن يعقل، وهنّ النساء؛ لقوله بعد ذلك، مبيّنًا لمبهم "ما"، وقرأ ابن أبي عبلة: "من طاب" على ذِكر من يعقل.

[الثاني]: قال البصريون: "ما" تقع للنعوت كما تقع لِمَا لا يعقل، يقال: ما عندك؟ فيقال: ظريفٌ وكريمٌ، فالمعنى: فانكحوا الطيّب من النساء؛ أي: الحلال، وما حرّمه الله فليس بطيّب، وفي التنزيل: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٢٣]، فأجابه موسى على وفق ما سأل.


(١) "تفسير النسفيّ" ١/ ٢٠٥.
(٢) "المفهم" ٧/ ٣٢٦.