(قَالَتْ: وَالَّذِي ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ الآيَةُ الأُولَى الَّتِي قَالَ اللهُ فِيهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللهِ فِي الآيَةِ الأُخْرَى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} رَغْبَةَ أَحَدِكُمْ عَنِ الْيَتِيمَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي حَجْرِهِ) قال في "الفتح": فيه تعيين أحد الاحتمالين في قوله: {وَتَرْغَبُونَ}؛ لأن رغب يتغيّر معناه بمتعلقه، يقال: رغب فيه إذا أراده، ورغب عنه إذا لم يُرِدْه؛ لأنه يحتمل أن تحذف "في"، وأن تُحذف "عن". وقد تأوّله سعيد بن جبير على المعنيين، فقال: نزلت في الغنيّة، والمُعْدَمة، والمرويّ هنا عن عائشة أوضح في أن الآية الأولى نزلت في الغنيّة، وهذه الآية نزلت في الْمُعدمة. انتهى (١).
(حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ، وَالْجَمَالِ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا رَغِبُوا فِي مَالِهَا، وَجَمَالِهَا، مِنْ يَتَامَى النِّسَاءِ، إِلَّا بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ)؛ أي: نُهُوا عن نكاح المرغوب فيها لجمالها، ومالها؛ لأجل زُهدهم فيها، إذا كانت قليلة المال والجمال، فينبغي أن يكون نكاح اليتيمتين على السواء في العدل. وقال صاحب "التكملة": حاصل كلام عائشة -رضي الله عنها- أن من وَلِيَ يتيمة من أبناء أعمامها كان يظلمها في الجاهليّة من ناحيتين، فإن كانت ذات مال وجمال رغب في أن يتزوجها بنفسه دون أن يعطيها صداق مثلها، فكان ينكحها بأقل مهر من مهر المِثل، فأمره الله -سبحانه وتعالى- أن لا يتزوجها في هذه الحالة، بل يتزوج غيرها ممن أحلّ الله له بما شاء من المهر؛ لئلا يبخس اليتيمة حقّها في المهر، وهذا هو المراد من قوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الآية.
وأما إذا كانت قليلة الجمال، ولها مال، فلا يتزوجها الوليّ؛ لعدم رغبته في جمالها، ولا يزوجها غيره خشية أن يذهب الزوج بمالها، فيمسكها عنده