للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وبعد أن فهمت أفراد تلك الكلمات، فاعلم أن العلماء اختلفوا في سبب نزول هذه الآية، وفي معناها، فذهبت عائشة -رضي الله عنها- إلى ما ذُكر في الباب عنها، وحاصل الروايات المذكورة عنها: أنها نزلت في ولي اليتيمة التي لها مال، فأراد وليّها أن يتزوجها، فأُمر بأن يوفيها صداق أمثالها، أو يكونُ لها مالٌ عنده بمشاركة أو غيرها، وهو لا حاجة له لتزويجها لنفسه، ويَكره أن يزوجها غيره؛ مخافة أخْذ مالها من عنده، فأمَر الله الأولياء بالقسط، وهو العدل، بحيث: إن تزوَّجها بذل لها مهر مثلها، وإن لم تكن له رغبة فيها زوّجها من غيره، وأوصلها إلى مالها على الوجه المشروع.

وتكميل معنى الآية: أن الله تعالى قال للأولياء: إن خفتم ألا تقوموا بالعدل، فتزوَّجوا غيرهنّ، ممن طاب لكم من النساء، اثنتين اثنتين، إن شئتم، وثلاثًا ثلاثًا لمن شاء، وأربعًا أربعًا لمن شاء، هذا قول عائشة -رضي الله عنها- في الآية.

وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- في معنى الآية: إنه قَصَر الرجال على أربع؛ لأجل أموال اليتامى، فنزلت جوابًا لتحرّجهم عن القيام بإصلاح أموال اليتامى.

وفسَّر عكرمة قول ابن عباس هذا بألّا تكثروا من النساء، فتحتاجوا إلى أخذ أموال اليتامى. وقال السّدّيّ، وقتادة: معنى الآية: إن خفتم الجور في أموال اليتامى، فخافوا مثله في النساء، فإنَّهن كاليتامى في الضعف، فلا تنكحوا أكثر مما يمكنكم إمساكهن بالمعروف.

قال القرطبيّ: وأقرب هذه الأقوال وأصحها قول عائشة -إن شاء الله تعالى-.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي صححه القرطبيّ هو الأرجح عندي، والله تعالى أعلم.

قال: وقد اتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} ليس له مفهوم؛ إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة: اثنتين، أو ثلاثًا، أو أربعًا، كمن خاف، فدلّ ذلك على أن الآية نزلت جوابًا لمن خاف، وأن حكمها أعمّ من ذلك، وفي الآية مباحث تسكت الناقث (١).


(١) يقال: نقث حديثه: إذا خلطه كخلط الطعام، ونقث العظم: استخرج مخّه، ونقث عن الشيء: إذا حفر عنه.