للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- من ذلك، فذلك من خصوصياته، بدليل: أن أصحابه قد علموا ذلك، وتحقّقوه، فلو علموا أن ذلك مسوَّغ لهم لاقتدوا به في ذلك، فكانوا يجمعون بين تسع، فإنَّهم كانوا لا يعدلون عن الاقتداء به في جميع أفعاله، وأحواله، وببادرون إلى ذلك مبادرة من علم أن التوفيق والفلاح، والحصول على خير الدنيا والآخرة في الاقتداء به، فلولا أنهم علموا خصوصيته بذلك لَمَا امتنعوا منه، وما يروي الرافضة في ذلك عن عليّ -رضي الله عنه-، أو غيره من السّلف، فغير معروف عند أهل السُّنّة، ولا مأخوذ عن أحد من علماء الأمة، وكيف لا؟ وقوله لغيلان قد بيّن القدر المباح غاية البيان، وهو من الأحاديث المعروفة المشهورة عند كل أحد، بحيث لا يحتاج فيه إلى إقامة سند.
وقد ذهب بعض أهل الظاهر (١) إلى إباحة الجمع بين ثماني عشرة؛ تمسُّكًا بأن العدل في تلك الصيغ يفيد التكرار لمّا لم يمكنه لذلك إنكار، لكنه لمّا حمل الواو على الجمع جمع بين هذه الأعداد، وقصر كل صيغة على أقله، فجعل: مثنى بمعنى: اثنين واثنين، وثلاث: بمعنى ثلاث وثلاث، ورباع: بمعنى أربع وأربع.
قال: وهذا القائل أعور بأيّ عينيه شاء، فإنَّ كل ما ذكرناه يبطل دعواه.
ونزيد هنا نكتة تضمنها الكلام المتقدِّم، وهي أن قصره كل صيغة على أقل ما تقتضيه بزعمه، تحكّم بما لا يوافقه أهل اللسان عليه، ولا يرشد معنى الاثنين إليه؛ لأنَّ مقصود الآية إباحة نكاح اثنتين لمن أراد، نكاح ثلاث لمن أراد، ونكاح أربع لمن أراد، وكل واحد من آحاد كل نوع من هذه الثلاثة لا ينحصر، فكل اثنين، وثلاث، وأربع لا ينحصر، فقَصْره على بعض أعداد ما تضمّنه ذلك مخالف لمقصود الآية، فتفهّم ذلك، فإنَّه من لطيف الفهم، وللكلام في هذه الآية متّسعٌ، وفيما ذكرناه تنبيه ومقنع.
(١) قال الجامع عفا الله عنه: نسبة هذا القول إلى أهل الظاهر فيه نظر، فإن ابن حزم -رحمه الله- قد ذكر في "المحلّى" (٩/ ٤٤١) أن أهل الإسلام مجمعون على تحريم أكثر من أربع نسوة، واحتج بحديث غيلان الثقفيّ المذكور، وقال: لم يقل بإباحة أكئر من أربع إلا الرافضة، فلو كان من أهل الظاهر أحد قال ذلك لَمَا أهمله، فتنبّه، والله تعالى أعلم.