المراد بها هنا العقد؛ لقوله تعالى بعد ذلك:{مِنَ النِّسَاءِ} مبينًا لمبهم "ما".
وقوله:{مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} قد فَهِمَ من هذا من بَعُدَ فهمه للكتاب والسُّنَّة، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة، وقلَّ علمه باللسان، واللغة: أنه يجوز لنا أن ننكح تسعًا، ونجمع بينهنّ في عصمة واحدة من هذه الآية، وزعم أن الواو جامعة، وعضد ذلك بأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نكح تسعًا، وجمع بينهن في عصمة، والذي صار إلى هذه الجهالة الرافضةُ، وطائفة من أهل الظاهر، فجعلوا مثنى، وثلاث، ورباع مثل اثنين، وثلاث، وأربع، وبينهما من الفرقان ما بين الجماد والإنسان، فإنَّ أهل اللغة مطبقون على الفرق بينهما، ولا نعلم بينهم خلافًا في ذلك، وبيان الفرق أن العرب إذا قالت: جاءت الخيل مثنى مثنى إنما تعني بذلك: اثنين، اثنين؛ أي: جاءت مزدوجة، قال الجوهريّ: وكذلك جميع معدول العدد.
قال القرطبيّ: وعلى هذا جاء قوله تعالى في وصف الملائكة: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}[فاطر: ١]، ويُعلم على القطع والبتات أنه لم يرد هنا توزيع هذه الأعداد على الملائكة حتى يكونوا هم: أولي تسعة أجنحة يشتركون فيها، ولا أنه جمع كل واحد من آحاد الملائكة تسعة أجنحة، وتلزم هذه الفضائح من قال بالجمع في آية النكاح؛ إذ لا فرق بين هاتين الآيتين في هذا اللفظ في العدل، والعطف بالواو الجامعة، وإنما المراد: أن الله تعالى خلق الملائكة أصنافًا، فمنهم صنف جعل لكل واحد منهم جناحين، ومنهم صنف جعل لكل واحد منهم ثلاثة، ومنهم صنف جعل لكل واحد منهم أربعة، وكذلك آية النكاح معناها: أن الله تعالى أباح لكل واحد منهم من الزوجات ما يقدر على العدول فيه، فمن يقدر على العدل في اثنتين أبيح له ذلك، ومن يقدر على العدل في أكثر أبيح له ذلك، فإن خاف أن لا يعدل فواحدة، كما قال تعالى، وغاية الإباحة أربع؛ لأنَّه انتهى إليهن في العدد، ولقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لغيلان بن أمية:"أمسك أربعًا، وفارق سائرهنّ"(١)، ولأنه لم يُسمع عن أحد من الصحابة، ولا التابعين: أنه جمع في عصمته بين أكثر من أربع، وما أبيح
(١) رواه البيهقيّ في "الكبرى" ٧/ ١٨١، وصححه ابن حبّان (٤١٥٧).