٢ - (ومنها): يُسر الشريعة وسماحتها حيث يسّرت على والي اليتيم أن يأكل من ماله قدر عمالته، وسيأتي اختلاف العلماء في ذلك في المسألة التالية -إن شاء الله تعالى-.
٣ - (ومنها): عناية الشريعة بالضعفاء والمساكين حيث شدّدت في مال اليتيم، وحرّمت التصرّف فيه إلا بما يُصلحه، ويكون عونًا له، وقد بيّن الله -عز وجل- الوعيد الشديد في ذلك بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)} [النساء: ١٠]، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في أكل والي اليتيم من ماله:
(اعلم): أنهم اختلفوا في ذلك:
فقيل: يجوز للوصيّ أن يأخذ من مال اليتيم قدر عُمالته، وهو قول عائشة -رضي الله عنها- كما في حديث الباب، وعكرمة، والحسن، وغيرهم.
وقيل: لا يأكل منه إلا عند الحاجة، ثم اختلفوا، فقال عَبِيدة بن عمرو، وسعيد بن جبير، ومجاهد: إذا أكل، ثم أيسر قضى. وقيل: لا يجب القضاء. وقيل: إن كان ذهبًا، أو فضة لم يَجُز أن يأخذ منه شيئًا، إلا على سبيل القرض، وإن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة، وهذا أصح الأقوال عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وبه قال الشعبيّ، وأبو العالية، وغيرهما، أخرج جميع ذلك ابن جرير في "تفسيره"، وقال: هو بوجوب القضاء مطلقًا، وانتصر له. ومذهب الشافعيّ -رحمه الله-: يأخذ أقل الأمرين، من أجرته، ونفقته، ولا يجب الردّ على الصحيح، وحكى ابن التين عن ربيعة أن المراد بالفقير والغني في هذه الآية اليتيم؛ أي: إن كان غنيًّا فلا يسرف في الإنفاق عليه، وإن كان فقيرًا فليطعمه من ماله بالمعروف، ولا دلالة فيها على الأكل من مال اليتيم أصلًا، قال الحافظ: والمشهور ما تقدم. انتهى (١).
وقال القرطبيّ: قول عائشة -رضي الله عنها- في قوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: ٦] أُنزلت في والي اليتيم، فعلى هذا