للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يوم حُفر الخندق لأجل الدفاع عن المسلمين، وقد تقدّم ذكر غزوة الخندق في "كتاب الجهاد" مستوفًى.

فقوله: {إِذْ جَاءُوكُمْ} بدل من {إِذْ جَاءَتْكُمْ} في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} الآية، وقوله: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ} معطوف على {جَاءُوكُمْ}.

وقال الإمام ابن كثير في "تفسيره": قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ}؛ أي: الأحزاب، {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} تقدم عن حذيفة -رضي الله عنه- أنهم بنو قريظة، {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}؛ أي: من شدة الخوف، والفزع، {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: ١٠] قال ابن جرير: ظنّ بعض من كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الدائرة على المؤمنين، وأن الله سيفعل ذلك.

وقال محمد بن إسحاق في قوله تعالى: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} ظن المؤمنون كل ظنّ، ونجم النفاق، حتي قال مُعَتِّب بن قُشير أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يَعِدُنا أن نأكل كنوز كسرى، وقيصر، وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط.

وقال الحسن في قوله -عز وجل-: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}: ظنون مختلفة، ظن المنافقون أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يُستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حقّ، وأنه سيظهره على الدين كله، ولو كره المشركون. انتهى (١).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} كان ذلك في غزوة الخندق الذي حفره المسلمون حول المدينة برأي سلمان -رضي الله عنه-، وتسمى غزوة الأحزاب، لأنَّ الكفار تحزبوا أحزابًا، وتجمّعوا جموعًا حتى اجتمع في عددهم خمسة عشر ألفًا من أهل نجد، وتهامة، ومن حولهم، وحاصروا المسلمين في المدينة شهرًا، ولم يكن بينهم قتال إلا الرمي بالنبل، والحصى، ونقضت قريظة ما كان بينهم وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من العهد، وحينئذ جاء المسلمين عدوّهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، وزاغت الأبصار؛ يعني: مالت عن سنن القصد فعلَ المرعوب، وقال قتادة: شخصت، وبلغت


(١) "تفسير ابن كثير" ٣/ ٤٧٣.