القلوب الحناجر، أي: قاربت الخروج من الضيق، والرَّوع، وشدّة البلاء، والْجَهْد، وكان وقتَ بلاء وتمحيص، ولذلك نجم في كثير من الناس النفاق، وظهر منهم الشقاق.
وقوله تعالى:{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}؛ أي: تشكّون في الوعد بالنصر، يُخبر عن المنافقين، أو يكون معناه: أنهم خافوا من أن يُخذلوا في ذلك الوقت، فإنَّ وقت وقوع النصر الموعود غير معيّن، قال: وهذا أحسن من الأول، ويؤيّده قوله تعالى:{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}[الأحزاب: ١١]: امتُحنوا بالصبر على الحصار وشدّة الجوع، وزلزلوا بالخوف من أن يخذلهم الله في ذلك الوقت، ويُديل عدوّهم عليهم، كما فعل يوم أحد، وقد تقدَّم الخلاف في غزوة الخندق متى كانت. انتهى (١).
وقال في "الفتح": قوله: "عن عائشة -رضي الله عنها-: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} قالت: كان ذلك يوم الخندق". هكذا وقع مختصرًا، وعند ابن مردويه من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ} قال: عيينة بن حِصْن، {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}: أبو سفيان بن حرب، وبَيَّن ابن إسحاق في "المغازي" صفة نزولهم، قال: نزلت قريش بمجتمع السيول في عشرة آلاف من أحابيشهم، ومن تبعهم من بني كنانة، وتهامة، ونزل عيينة في غطفان، ومن معهم من أهل نجد إلى جانب أُحُد بباب نعمان، وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون، حتى جعلوا ظهورهم إلى سَلْع في ثلاثة آلاف، والخندق بينه وبين القوم، وجُعل النساء والذراري في الآطام، قال: وتوجه حُييّ بن أخطب إلى بني قريظة، فلم يزل بهم حتى غَدروا، وبلغ المسلمين غدرهم، فاشتد بهم البلاء، فأراد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يعطي عيينة بن حصن ومن معه ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعوا، فمنعه من ذلك سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وقالا: كنا نحن وَهُمْ على الشرك، لا يطمعون منا في شيء من ذلك، فكيف نفعله بعد أن أكرمنا الله بالإسلام، وأعزنا بك، نعطيهم أموالنا، ما لنا بهذا من حاجة، ولا نعطيهم إلا السيف، فاشتدّ بالمسلمين