للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أردن تحصنًا، يقول: إن أردن تعففًا عن الزنى؛ لتبتغوا عرض الحياة الدنيا، يقول: لتلتمسوا بإكراهكم إياهن على الزنى عرض الحياة، وذلك ما تَعْرِض لهم إليه الحاجة من رياشها، وزينتها، وأموالها، ومن يُكرههن، يقول: ومن يكره فتياته على البغاء، فإن الله من بعد إكراهه إياهنّ على ذلك لهم غفور رحيم، ووزر ما كان من ذلك عليهم دونهن.

وذكر أن هذه الآية أُنزلت في عبد الله بن أبيّ ابن سلول حين أكره أمته مُسيكة على الزنى. انتهى (١).

وقال ابن كثير -رحمه الله-: كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني، وجعل عليها ضريبة، يأخذها منها كل وقت، فلما جاء الإسلام نهى الله المؤمنين عن ذلك، وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة فيما ذكر غير واحد من المفسرين من السلف، والخلف، في شأن عبد الله بن أبيّ ابن سلول، فإنه كان له إماء، فكان يُكرههنّ على البغاء؛ طلبًا لِخَراجهنّ، ورغبة في أولادهن، ورياسة منه فيما يزعم. انتهى (٢).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ -رحمه الله-: قوله تعالى: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} راجع إلى الفتيات، وذلك أن الفتاة إذا أرادت التحصن فحينئذ يمكن ويتصور أن يكون السيد مُكرِهًا، ويمكن أن ينهى عن الإكراه. وإذا كانت الفتاة لا تريد التحصن فلا يتصور أن يقال للسيد: لا تكرهها؛ لأن الإكراه لا يتصور فيها وهي مريدة للزنى، فهذا أمر في سادة وفتيات حالهم هذه، وإلى هذا المعنى أشار ابن العربيّ، فقال: إنما ذكر الله تعالى إرادة التحصن من المرأة؛ لأن ذلك هو الذي يصور الإكراه، فأما إذا كانت هي راغبة في الزنى لم يتصور إكراه، فحصّلوه، وذهب هذا النظر عن كثير من المفسرين، فقال بعضهم: قوله: "إن أردن تحصنًا" راجع إلى الأيامى، قال الزجاج والحسين بن الفضل: في الكلام تقديم وتأخير؛ أي: وأنكحوا الأيامى والصالحين من عبادكم إن أردن تحصنًا. وقال بعضهم: هذا الشرط في قول: "إن أردن" مُلْغًى، ونحو ذلك مما يضعف، والله الموفق.


(١) "تفسير الطبريّ" ١٨/ ١٣٢.
(٢) "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٨٩.