للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والهاء والميم في "ربهم" تعود على العابدين، أو على المعبودين، أو عليهم جميعًا، وأما "يدعون" فعلى العابدين، و"يبتغون" على المعبودين.

وقوله: ({أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}) مبتدأ وخبره، ويجوز أن يكون "أيهم أقرب" بدلًا من الضمير في "يبتغون"، والمعنى: يبتغي أيهم أقرب الوسيلة إلى الله.

{وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: ٥٧]؛ أي: مخوفًا لا أمان لأحد منه، فينبغي أن يحذر منه ويخاف.

وقال سهل بن عبد الله: الرجاء والخوف زمانان على الإنسان، فإذا استويا استقامت أحواله، وإن رجح أحدهما بطل الآخر. انتهى (١).

وقال في "الفتح": مفعول {يَدْعُونَ} محذوف، تقديره: أولئك الذين يدعونهم آلهة، يبتغون إلى ربهم الوسيلة، وقرأ ابن مسعود: "تدعون" بالمثناة الفوقانية، على أن الخطاب للكفار، وهو واضح.

وقوله: {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}: معناه: يبتغون مَن هو أقرب منهم إلى ربهم، وقال أبو البقاء: {أَيُّهُمْ} مبتدأ، والخبر {أَقْرَبُ}، وهو استفهام في موضع نصب بـ {يَدْعُونَ} ويجوز أن يكون بمعنى الذين، وهو بدل من الضمير في {يَدْعُونَ}، كذا قال، وكأنه ذهب إلى أن فاعل {يَدْعُونَ}، و {يَبْتَغُونَ} واحد، والله أعلم (٢).

(قَالَ) عبد الله بن مسعود: (كَانَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ أَسْلَمُوا)؛ أي: دخلوا في دين الإسلام، (وَكَانُوا يُعْبَدُونَ) بالبناء للمفعول؛ أي: يعبدهم بعض الناس، (فَبَقِيَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ) بالبناء للفاعل، (عَلَى عِبَادَتِهِمْ)، أي: عبادة هؤلاء الجنّ، وفي الرواية التالية: "واستمسك الإنس بعبادتهم"، (وَ) الحال أنه (قَدْ أَسْلَمَ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ) وفي رواية للبخاريّ: "فأسلم الجنّ، وتمسَّك هؤلاء بدينهم"؛ أي: استمر الإنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن، والجن لا يرضون بذلك؛ لكونهم أسلموا، وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة.

وروى الطبريّ من وجه آخر عن ابن مسعود، فزاد فيه: "والإنس الذين


(١) "تفسير القرطبيّ" ١٠/ ٢٧٩ - ٢٨٠.
(٢) "الفتح" ١٠/ ٢٩٨.