للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[فإن قيل]: هذا إثبات اسم بقياس.

[قلنا]: إنما هو إثبات اللغة عن أهلها، فإن الصحابة -رضي الله عنهم- عرب فصحاء، فهموا من الشرع ما فهموه من اللغة، ومن اللغة ما فهموه من الشرع. وذكر ابن حزم أن بعض الكوفيين، احتج بما أخرجه عبد الرزاق، عن ابن عمر، بسند جيّد قال: "أما الخمر فحرام، لا سبيل إليها، وأما ما عداها من الأشربة، فكل مسكر حرام"، قال: وجوابه أنه ثبت عن ابن عمر أنه قال: "كل مسكر خمر"، فلا يلزم من تسمية المتَّخذ من العنب خمرًا، انحصار اسم الخمر فيه، وكذا احتجوا بحديث ابن عمر أيضًا: "حُرّمت الخمر، وما بالمدينة منها شيء"، مراده: المتَّخذ من العنب، ولم يُرِد أن غيرها لا يسمى خمرًا، بدليل حديثه الآخر: "نزل تحريم الخمر، وإن بالمدينة خمسة أشربة، كلها تدعى الخمر، ما فيها خمر العنب". ذكره في "الفتح" (١).

(المسألة الرابعة): قال في "الفتح": جعل الطحاويّ هذه الأحاديث متعارضة، وهي حديث أبي هريرة، في أن الخمر من شيئين، مع حديث عمر، ومن وافقه، أن الخمر من غيرهما، وكذا حديث ابن عمر: "لقد حرمت الخمر، وما بالمدينة منها شيء"، وحديث أنس: "إن الخمر حرمت، وشرابهم الفضيخ"، وفي لفظ له: "وإنا نَعُدّها يومئذٍ خمرًا"، وفي لفظ له: "إن الخمر يوم حرمت: البسر والتمر". قال: فلما اختلف الصحابة في ذلك، ووجدنا اتفاق الأمة على أن عصير العنب إذا اشتد وغلى، وقذف بالزبد فهو خمر، وأن مستحله كافر، دل على أنهم لم يعملوا بحديث أبي هريرة؛ إذ لو عملوا به لكفّروا مستحل نبيذ التمر، فثبت أنه لم يدخل في الخمر، غير المتَّخذ من عصير العنب. انتهى.

ولا يلزم من كونهم لم يكفِّروا مستحل نبيذ التمر، أن يمنعوا تسميته خمرًا، فقد يشترك الشيئان في التسمية، ويفترقان في بعض الأوصاف، مع أنه هو يوافق على أن حُكم المسكر من نبيذ التمر، حُكم قليل العنب في التحريم، فلم تبق المشاححة إلا في التسمية، والجمع بين حديث أبي هريرة وغيره،


(١) "الفتح" ١١/ ١٧٤.