للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خمرًا، فقال أبو بكر ابن الأنباري: سميت الخمر خمرًا؛ لأنها تخامر العقل؛ أي: تخالطه، قال: ومنه قولهم: خامره الداء؛ أي: خالطه. وقيل: لأنها تخمر العقل؛ أي: تستره، ومنه الحديث: "خَمِّروا آنيتكم"، ومنه خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها، وهذا أخص من التفسير الأول؛ لأنه لا يلزم من المخالطة التغطية. وقيل: سميت خمرًا؛ لأنها تُخمَّر حتى تُدرِك، كما يقال: خَمّرت العجين، فتَخمَّر؛ أي: تركته حتى أدرك، ومنه خمرت الرأي؛ أي: تركته حتى ظهر وتحرر. وقيل: سميت خمرًا؛ لأنها تُغَطَّى حتى تَغلِي، ومنه حديث المختار بن فلفل، قلت لأنس: الخمر من العنب، أو من غيرها؟ قال: "ما خمّرت من ذلك، فهو الخمر"، أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح، ولا مانع من صحة هذه الأقوال كلها؛ لثبوتها عن أهل اللغة، وأهل المعرفة باللسان.

قال ابن عبد البر: الأوجه كلها موجودة في الخمرة؛ لأنها تُركت حتى أَدركت، وسكنت، فإذا شُربت خالطت العقل، حتى تغلب عليه، وتغطيه.

وقال القرطبي: الأحاديث الواردة عن أنس وغيره، على صحتها وكثرتها، تُبطل مذهب الكوفيين القائلين: بأن الخمر لا يكون إلا من العنب، وما كان من غيره لا يسمى خمرًا، ولا يتناوله اسم الخمر، وهو قول مخالف للغة العرب، وللسُّنَّة الصحيحة، وللصحابة؛ لأنهم لما نزل تحريم الخمر، فهموا من الأمر باجتناب الخمر، تحريم كل مسكر، ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب، وبين ما يتخذ من غيره، بل سووا بينهما، وحرموا كل ما يُسكر نوعه، ولم يتوقفوا، ولا استفصلوا، ولم يُشكِل عليهم شيء من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب، وهم أهل اللسان، وبلغتهم نزل القرآن، فلو كان عندهم فيه تردد، لتوقفوا عن الإراقة، حتى يستكشفوا، ويستفصلوا، ويتحققوا التحريم؛ لِمَا كان تقرر عندهم من النهي عن إضاعة المال، فلمّا لم يفعلوا ذلك، وبادروا إلى الإتلاف علمنا أنهم فهموا التحريم نصًّا، فصار القائل بالتفريق سالكًا غير سبيلهم، ثم انضاف إلى ذلك خطبة عمر -رضي الله عنه- بما يوافق ذلك، وهو ممن جعل الله الحق على لسانه وقلبه، وسمعه الصحابة وغيرهم، فلم يُنقل عن أحد منهم إنكار ذلك، وإذا ثبت أن كل ذلك يسمى خمرًا، لزم تحريم قليله وكثيره، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة في ذلك، ثم ذكرها، قال: