للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (فَتَقُومَانِ جَنَبَتَي الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا) أما "تقومان": فبالتاء المثنّاة من فوقُ، وقد قدّمنا بيَان ذلك، وأن المؤنثتين الغائبتين تكونان بالمثناة من فوقُ.

وأما جنبتا الصراط: فبفتح الجيم والنون، ومعناهما: جانباه، يقال: جَنْبَتا الوادي، وجانباه، وضِفّتاه، وناحيتاه (١).

وقوله: (وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ، وَالرَّحِمُ) قال النوويّ رحمه اللهُ: أما إرسال الأمانة والرحم: فهو لِعِظَم أمرهما، وكثير مَوْقعهما، فَتُصوَّران مُشَخَّصَتين على الصفة التي يريدها الله تعالى، قال صاحب "التحرير": في الكلام اختصار؛ لفهم السامع له، أي إنهما تقومان لتطالبا كلَّ من يريد الجواز بحقّهما. انتهى (٢).

وقوله: (وَشَدِّ الرِّجَالِ) بالجيم: جمع رَجُل، هذا هو الصحيح المعروف المشهور، ومعناه: كسُرعة جَرْي الرجال، ونَقَلَ القاضي عياض أنه في رواية ابن ماهان "الرِّحَال" بالحاء، قال القاضي: وهما متقاربان في المعنى، وشدُّها عَدْوُها البالغ وجريها. انتهى.

وقال القرطبيّ رحمه الله: وشدٌّ الرجال: جَرْيُهم الشديد، جمع رَجُل، وعند ابن ماهان: "الرحال" بالحاء المهملة، وكأنه سُمِّيت الراحلةُ بالرَّحْل، ثمّ جُمِع: يريد كجري الرواحل، وفيه بُعْد. انتهى (٣).

وقوله: (تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ) قال النوويّ رحمه اللهُ: هو كالتفسير لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيَمُرّ أوّلكم كالبرق، ثم كَمَرّ الريح" إلى آخره، ومعناه: أنهم يكونون في سرعة المرور على حَسَبِ مراتبهم وأعمالهم. انتهى (٤).

وقال القاضي عياض رحمه اللهُ: يعني: أن سُرعة مرّهم على الصراط بقدر أعمالهم، ومبادرتهم لطاعة ربّهم، ألا تراه كيف قال: "حتى تعجَز أعمال العباد"؟ وهذا كلّه من عَدْلِ الله تعالى، وإظهار ذلك لعباده، وإلا فالكلّ برحمته، لا إله غيره.


(١) "إكمال المعلم" ٢/ ٨٧٦، و"شرح النوويّ" ٣/ ٧٠.
(٢) "شرح مسلم" ٣/ ٧٢ بتغيير يسير.
(٣) "المفهم" ١/ ٤٣٩.
(٤) "شرح مسلم" ٣/ ٧٢.