للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فاستجيب له". (فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي، شَفَاعَةً لِأَمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ") وفي الرواية التالية: "وأردت - إن شاء الله - أن أختبئ".

[تنبيه]: قد استُشْكِل ظاهر الحديث بما وَقَع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة، ولا سيما نبيّنا - صلى الله عليه وسلم -، وظاهره أن لكل نبيّ دعوة مستجابةً فقط.

[وأجيب]: بأن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطعُ بها، وما عدا ذلك من دعواتهم، فهو على رجاء الإجابة.

وقيل: معنى قوله: "لكل نبيّ دعوة": أي أفضل دعواته، ولهم دعوات أخرى.

وقيل: لكل منهم دعوةٌ عامّةٌ مستجابةٌ في أمته، إما بإهلاكهم، وإما بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصّة، فمنها ما يُستجاب، ومنها ما لا يستجاب.

وقيل: لكل منهم دعوة تخصُّه لدنياه، أو لنفسه، كقول نوح عليه السلام: {لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: ٢٦]، وقول زكريا عليه السلام: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: ٥]، وقول سليمان عليه السلام: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: ٣٥]، حكاه ابن التين.

وقال بعض شُرّاح "المصابيح" ما لفظه: (اعلم): أن جميع دعوات الأنبياء عليهم السلام مستجابةٌ، والمراد بهذا الحديث أن كل نبي دعا على أمته بالإهلاك، إلا أنا، فلم أدع، فأُعطيت الشفاعة عوضًا عن ذلك؛ للصبر على أذاهم، والمراد بالأمة أمة الدعوة، لا أمة الإجابة.

وتعقّبه الطيبيّ بأنه - صلى الله عليه وسلم - دعا على أحياء من العرب، ودعا على أناس من قريش بأسمائهم، ودعا على رِعْلٍ، وذَكْوان، ودعا على مُضَر، قال: والأولى أن يقال: إن الله جعل لكل نبيّ دعوةً تُستجاب في حقّ أمته، فنالها كلٌّ منهم في الدنيا، وأما نبيّنا - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لَمّا دعا على بعض أمته نَزَل عليه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} الآية [آل عمران: ١٢٨]، فبقيت تلك الدعوة المستجابة مُدَّخرةً للآخرة، وغالب مَن دعا عليهم لم يُرِدْ إهلاكهم، وإنما أراد رَدْعَهم ليتوبوا.

وأما جزمه أوّلًا بأن جميع أدعيتهم مستجابة، ففيه غفلة عن الحديث