للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومفهومه أن من لم يباشره لا يصحّ منه، وهذا العموم مخصوص بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية [الطور: ٢١]، على ما تقرّر في موضعه (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في بيان الأسئلة الواردة على هذا الحديث (٢).

(الأول): ما قيل: ما وجه الحصر في هذه الخمسة؟

وأجيب بأن العبادة إما قوليّة، وهي الشهادة، أو غير قوليّة، فهي إما تَركيّ، وهو الصوم، أو فعليّ، وهو إما بدنيّ، وهو الصلاة، أو ماليّ، وهو الزكاة، أو مركّبٌ منهما، وهو الحجّ.

(الثاني): ما قيل: ما وجه الترتيب بينها؟

وأجيب بأن الواو لا تدلّ على الترتيب، ولكن الحكمة في الذكر أن الإيمان أصل للعبادات، فتعيّن تقديمه، ثم الصلاة؛ لأنها عماد الدين، ثم الزكاة؛ لأنها قرينة الصلاة في كتاب الله تعالى، ثم الحج للتغليظات الواردة فيه ونحوها، فبالضرورة يقع الصوم آخرًا.

(الثالث): ما قيل: الإسلام هو الكلمة فقط، ولهذا يُحكم بإسلام من تلفّظ بها، فلم ذكرت الأخوات معها.

وأجيب: بأنها أظهر شعائر الإسلام، قال النوويّ رحمه الله تعالى: حكم الإسلام في الظاهر يَثبُت بالشهادتين، وإنما أُضيف إليهما الصلاة ونحوها؛ لكونها أظهر شعائر الإسلام، وأعظمها، وبقيامه بها يتمّ إسلامه، وتركه لها يُشعر بانحلال قيد انقياده، أو اختلاله. انتهى.

(الرابع): ما قيل: إن الإسلام هو هذه الخمسة، والمبنيّ لا بدّ أن يكون غير المبنيّ عليه.

وأجيب: بأن الإسلام عبارة عن المجموع، والمجموع غير كلّ واحد من أركانه، وحاصله أن المجموع غيرٌ من حيث الانفراد، وعينٌ من حيث الجمع، ومثاله البيت من الشَّعْر يُجعل على خمسة أعمدة، أحدها أوسطٌ والبقيّة أركان،


(١) "الفتح" ١/ ٦٥.
(٢) راجع في هذه الأسئلة: "عمدة القاري" ١/ ١٢٠ - ١٢١، و"فتح الباري" ١/ ٦٥ - ٦٦.