للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجمهور بجواز الرواية بالمعنى بشروطه، لكن الأولى المحافظة على اللفظ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "نضر الله امرءًا سمع مقالتي، فوعاها، ثم أدّاها كما سمعها، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه" (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: ويحتمل أن تكون محافظة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على ترتيب هذه القواعد؛ لأنها نزلت كذلك: الصلاة أوّلًا، ثم الزكاة، ثم الصوم، ثم الحجّ، ويحتمل ذلك أن يكون لإفادة الأوكد فالأوكد، فقد يَستنبط الناظر في ذلك الترتيبِ تقديمَ الأوكد على ما هو دونه إذا تعذّر الجمع بينهما، كمن ضاق عليه وقت الصلاة، وتعيّن عليه في ذلك الوقت أداء الزكاة لضرورة المستحق، فيبدأ بالصلاة، أو كما إذا ضاق وقتُ الصلاة على الحاجّ، فيتذكّر العشاء الآخرة، وقد بقي عليه من وقت صلاة العشاء الآخرة ما لو فعله فاته الوقوف بعرفة، فقد قال بعض العلماء: إنه يبدأ بالصلاة، وإن فاته الوقوف؛ نظرًا إلى ما ذكرناه، وقيل: يبدأ بالوقوف للمشقّة في استئناف الحجّ.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أنَّ القول الثاني أرجح؛ للمشقّة المذكورة، وقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]، فالحرج مرفوع بالنصّ، ففعل ما يرفع الحرج أولى، وإن كان أدون في الرتبة، والله تعالى أعلم.

قال: ومن ذلك لو أوصى رجل بزكاة فرّط في أدائها، وبكفّارةِ فطر من رمضان، وضاق الثلث عنهما، بدأ بالزكاة أوّلًا؛ لأوكديّتها على الصوم، وكذلك لو أوصى بكفّارة الفطر، وبهديٍ واجبٍ في الحجّ، قدّم كفارة الفطر، وهذا كلّه على أصل مالك رحمه الله، فإن ذلك كلّه يخرَج من الثلث، وأما من ذهب إلى أن ذلك يُخرج من رأس المال، فلا تفريع على ذلك بشيء مما ذكرناه، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

٧ - (ومنها): أنه يستفاد منه تخصيص عموم مفهوم السنّة بخصوص منطوق القرآن؛ لأن عموم الحديث يقتضي صحّة إسلام من باشر ما ذُكر،


(١) حديث صحيح، رواه أبو داود (٣٦٦٠) والترمذيّ (٢٦٥٨).
(٢) "المفهم" ١/ ١٦٩ - ١٧٠.