للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٢ - (ومنها): أن رجاله رجال الجماعة، غير شيخه، فما أخرج له الترمذيّ.

٣ - (ومنها): أنه مسلسلٌ بالبصريين، غير شيخه أيضًا، فكوفيّ.

٤ - (ومنها): أن فيه أنسًا - رضي الله عنه - من المكثرين السبعة، روى (٢٢٨٦) حديثًا، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ أَنَسٍ) - رضي الله عنه - (أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَيْنَ أَبِي؟) أي في أيّ مكان هو؟ أفي الجنّة، أم في النار؟ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم ("فِي النَّارِ") متعلّق بمحذوف، خبر لمبتدأ مقدّر: أي هو كائن في النار (فَلَمَّا قَفَّى) وفي نسخة: "قال: فلما قَفَّى": أي أدبر الرجل، وولّى من مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منصرفًا، وقال ابن الأثير رحمه الله: أي ذهب مولِّيًا، وكأنه من القفا: أي أعطاه قفاه وظهره. انتهى (١). (دَعَاهُ، فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ في النَّارِ") هذا من حسن عِشرته - صلى الله عليه وسلم -؛ للتسلية بالاشتراك في المصيبة.

قال القرطبيّ رحمه الله (٢): هذا جبر للرجل مما أصابه، وأحاله على التأسّي به، حتى تهون عليه مصيبته بأبيه، وذلك لَمّا حفظ الحرمة، ولم يقل: أين أبوك؟ بخلاف من قال ذلك للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: "حيثما مررت بقبر مشرك، فبشّره بالنار"، وذلك فيما أخرجه ابن ماجه بسند صحيح، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: جاء أعرابي إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إن أبي كان يَصِلُ الرحم، وكان، وكان، فأين هو؟ قال: "في النار"، قال: فكأنه وَجَدَ من ذلك، فقال: يا رسول الله، فأين أبوك؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حيثما مررت بقبر مشرك، فبشّره بالنار"، قال: فأسلم الأعرابي بعدُ، وقال: لقد كَلَّفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تَعَبًا، ما مررت بقبر كافر إلا بشّرته بالنار. انتهى (٣)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "النهاية" ٤/ ٩٤.
(٢) راجع: "المفهم" ١/ ٤٦١.
(٣) حديث صحيح، أخرجه ابن ماجه في "سننه" برقم (١٥٧٣).