وقد ألّف السيوطيّ في ذلك رسالة سمّاها "مسالك الحنفا في والدي المصطفى"، وحشد فيه الأحاديث الضعيفة، والأخبار الواهية، وحاول في رد الأحاديث الصحيحة، كأحاديث هذا الباب، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا:"استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها، فأذن لي"، رواه مسلم، وفي رواية أحمد، وأبي داود: زار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه، فبكى، وبكى من حوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي … " الحديث، فعارض هذه الأحاديث الصحيحة بتلك الأخبار الواهية، بل ادّعى أن - صلى الله عليه وسلم - من آدم إلى والده كلّهم على التوحيد، وكلّهم ناجون.
ومن أغرب ما تراه وتسمعه في ذلك الكتاب، محاولته في حمل قصّة والد إبراهيم عليه السلام الذي جاء في عدّة اَيات من الكتاب العزيز بأنه أبوه، على أنه عمّه، وليس أباه، وهذا من أعجب العجاب.
وبالجملة فذلك الكتاب فيه عجائب وغرائب من صرف النصوص الصحيحة الصريحة إلى غير ما دلّت عليه بتأويلات سخيفة، ومعارضتها بالروايات الضعيفة التي اعترف السيوطيّ نفسه بأنها ضعيفة.
ولقد أجاد شُرّاح هذا الكتاب، كالقاضي عياض، والقرطبيّ، والنوويّ رحمهم الله تعالى، حيث لم يتعرّضوا لهذه التأويلات السخيفة، سوى الأبيّ، فإنه قد حاد عن الجادّة، ولذا اعتمد عليه السيوطيّ في رسالته، وأعرض عما ذهب إليه هؤلاء، وصرّحوا به، فقالوا: في هذا الحديث أن من مات على الكفر، فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقرّبين، وأن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان، فهو في النار.
وهذا هو الحقّ الذي لا مرية فيه، وأما ما عداه فمن الغلوّ الذي يَحمِل على الانحراف عن الجادّة بصرف النصوص عن ظواهرها، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتهوّر بتقليد ذوي الاعتساف، وقل: