للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النوويّ رحمه الله تعالى: وهذا الذي قاله ضعيف من وجهين:

[أحدهما]: أن الروايتين قد ثبتتا في الصحيح، وهما صحيحتان في المعنى، لا تنافي بينهما، كما قدمنا إيضاحه، فلا يجوز إبطال إحداهما.

[الثاني]: أنّ فتح باب احتمال التقديم والتأخير في مثل هذا قَدْحٌ في الرواة والروايات، فإنه لو فُتِحَ هذا لم يَبْقَ لنا ثِقَةٌ بشيء من الروايات، إلا القليل، ولا يخفى بطلان هذا، وما يترتب عليه من المفاسد، وتَعَلُّق من يتعلق به، ممن في قلبه مرض. والله تعالى أعلم، انتهى كلام النوويّ (١).

وقال المازريّ رحمه الله تعالى: يحتمل أن تكون مُشَاحّة ابن عمر في هذا لأنه كان لا يرى نقل الحديث بالمعنى، وإن أدّاه بلفظٍ يَحْتَمِلُ، أو كان يرى الواو توجب الترتيب - كما قال بعضهم - فيجب التحفّظ على الرواية المسموعة من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه قد يتعلّق بذلك أحكام.

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وقد يكون ردّ ابن عمر على الرجل إلى تقديم رمضان على الحجّ؛ لتقدّم فريضة رمضان على فريضة الحجّ، فجاء بالفرائض على نسقها في التاريخ. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد سبق ترجيح القول بأن ابن عمر - رضي الله عنهما - سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّتين، وأنه رواه على الوجهين، فردّه على الرجل؛ لكونه اعترض على ما لا علم له به، وردّ الثابت؛ لتوهّمه عدم ثبوته. وأما ما جوّزه بعضهم من أن ابن عمر سمعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على الوجهين، ونسي أحدهما عند ردّه على الرجل، ففيه نظر: لأن تطرّق النسيان إلى الراوي عن الصحابيّ أول من تطرّقه إلى الصحابيّ (٣). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(تنبيه): وقع في رواية أبي عوانة الإسفرايينيّ في كتابه "الْمُخَرَّج على صحيح مسلم، وشرطه" عكسُ ما وقع في مسلم من قول الرجل لابن عمر: قَدِّمِ الحجَّ، فوقع فيه أن ابن عمر - رضي الله عنه - قال للرجل: اجعل صيام رمضان آخرهنّ، كما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.


(١) "شرح النوويّ" ١/ ١٧٨ - ١٧٩.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ١٤٩ - ١٥٠.
(٣) راجع: "الفتح" ١/ ٦٦.