للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تقديمه الحجّ على الصيام في هذه الرواية مع ثبوت ذلك في الرواية التالية:

قال النوويّ رحمه الله تعالى: وأما تقديم الحج وتأخيره: ففي الرواية الأولى والرابعة تقديم الصيام، وفي الثانية والثالثة تقديم الحج، ثم اختلف العلماء في إنكار ابن عمر على الرجل الذي قَدَّم الحجَّ مع أنّ ابن عمر رواه كذلك، كما وقع في الطريقين المذكورين.

والأظهر - والله أعلم - أنه يحتمل أن ابن عمر سمعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مَرّتين: مرةً بتقديم الحج، ومرة بتقديم الصوم، فرواه أيضًا على الوجهين في وقتين، فلما رَدّ عليه الرجل، وقَدَّم الحج، قال ابن عمر: لا تَرُدّ على ما لا عِلْمَ لك به، ولا تعترض بما لا تعرفه، ولا تَقْدَحْ فيما لا تتحققه، بل هو بتقديم الصوم، هكذا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس في هذا نفي لسماعه على الوجه الآخر.

ويحتمل أنّ ابن عمر كان سمعه مرتين بالوجهين، كما ذكرنا، ثم لَمّا رَدّ عليه الرجل نسي الوجه الذي رده، فأنكره، فهذان الاحتمالان هما المختاران في هذا.

قال الجامع عفا الله عنه: الاحتمال الأول هو الأرجح عندي، والله تعالى أعلم.

وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: محافظة ابن عمر - رضي الله عنهما - على ما سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونهيه عن عكسه، تصلح حجةً لكون الواو تقتضي الترتيب، وهو مذهب كثير من الفقهاء الشافعيين، وشذوذٍ من النحويين، ومن قال: لا تقتضي الترتيب، وهو المختار، وقول الجمهور فله أن يقول: لم يكن ذلك لكونها تقتضي الترتيب، بل لأن فرض صوم رمضان نَزَل في السنة الثانية من الهجرة، ونزلت فريضة الحج سنة ست، وقيل: سنة تسع - بالتاء المثنّاة فوقُ - ومن حق الأول أن يُقَدَّم في الذكر على الثاني، فمحافظة ابن عمر - رضي الله عنه - لهذا، وأما رواية تقديم الحج، فكأنه وقع ممن كان يروي الرواية بالمعنى، وَيرَى أن تأخير الأول، أو الأهمّ في الذكر شائع في اللسان، فتصرف فيه بالتقديم والتأخير لذلك مع كونه لم يسمع نهيَ ابن عمر - رضي الله عنهما - عن ذلك، فافهم ذلك، فإنه من المشكل الذي لم أرهم بيَّنوه، هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو بن الصلاح.