للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فاتّبعوا لما أقول لكم. انتهى (١).

(قَالَ) الراوي، وهو ابن عبّاس - رضي الله عنهما - ناقلًا عمن روى له هذه القصّة؛ لأنه لَمْ يحضرها، كما أسلفناه، فهو من مرسل الصحابيّ (فَقَالَ أَبُو لَهَب) فيه لغتان، قُرِئ بهما: فتح الهاء، وإسكانها، واسمه عبد الْعُزَّى (تَبًّا لَكَ) أي خُسرانًا وهلاكًا، ونصبه بعامل مضمر، وفي رواية أبي عوانة في "مسنده": "تبًّا لك سائر اليوم"، أي جميع الأيام (أَمَا) أداة استفتاح، وتنبيه، كـ "إلا" (جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا؟ ثُمَّ قَامَ) أي أبو لهب من مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كراهية له (فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ) فيها لغتان: الهمز، وتركه، حكاهما ابن قتيبة، والمشهور بغير همز، كسُور البلد؛ لارتفاعها، ومَن هَمَزَه قال: هي قطعة من القرآن، كسؤر الطعام والشراب، وهي البقية منه.

وقوله: ({تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١)}) بدل من "هذه السورة" محكيّ؛ لقصد لفظه، قال المجد: "تَبَّت يداه": ضلَّتا، وخسرتا، وقال السمين الحلبيّ: وأُسند الفعل إلى اليدين مجازًا؛ لأن أكثر الأعمال تزاول بهما، وإن كان المراد جملة المدعوّ عليه، وقوله: {تَبَّتْ} دعاء، و {تبّ] إخبار: أي قد وقع ما دُعي به عليه، كقول الشاعر [من الطويل]:

جَزَانِي جَزَاهُ اللهُ شَرَّ جَزَائِهِ جَزَاءَ … الْكِلَابِ الْعَاوِياتِ وَقَدْ فَعَلْ

ويؤيّده قراءة عبد الله - رضي الله عنه -: "وقد تَبّ"، والظاهر أن كليهما دعاء، ويكون في هذا شَبَهٌ من مجيء العامّ بعد الخاصّ؛ لأن اليدين بعضٌ، وإن كان حقيقة اليدين غير مراد، وإنما عَبّر باليدين؛ لأن الأعمال غالبًا تُزاول بهما. انتهى (٢).

وقال الفرّاء: الأول دعاء بهلاك جملته، على أن اليدين إما كناية عن الذات، والنفس؛ لما بينهما من اللزوم في الجملة، أو مجاز مرسل، من إطلاق الجزء، وإرادة الكل، كقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥]، والثاني إخبار بالحصول: أي وكان ذلك، وحصل. انتهى.

وقوله: ({وَقَدْ تَبَّ}) أي وقد هلك، وخَسِرَ أبو لهب (كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ)


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٣٩٧.
(٢) "الدرّ المصون في علوم الكتاب المكنون" ١١/ ١٤١ - ١٤٢.