للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ضَمَّن "جَرَّب" معنى الإلقاء، فعدّاه بـ "على"، أي: ما ألقينا عليك قولًا، مجرِّبين لك، هل تكذب، أم لا؟ فما سمِعنا منك إلَّا صدقًا. انتهى.

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (فَإِنِّي نَذِيرٌ) فعيلٌ بمعنى فاعل: أي منذر، قال الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: أنذرتُ الرجلَ كذا إنذارًا: أبلغته، يتعدّى إلى مفعولين، وأكثر ما يُستعمَلُ في التخويف، كقوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ} [غافر: ١٨]: أي خَوِّفهم عذابه، والفاعل مُنذِرٌ، ونذيرٌ، والجمع نُذُر بضمّتين، وأنذرته بكذا، فَنَذِرَ به، مثلُ أعلمته به، فعَلِم وزنًا ومعنًى، فالصلة فارقة بين الفعلين. انتهى (١).

وقال المجد - رَحِمَهُ اللهُ -: ونَذِرَ بالشيء، كفَرِح: عَلِمه، فَحَذِره، وأنذره بالأمر إنذارًا ونَذْرًا، ويُضمّ، وبضمّتين، ونَذِيرًا: أعلمه، وحَذَّره، وخَوَّفه في إبلاغه، والاسم النُّذْرَى بالضمّ، والنُّذُرُ بضمّتين، ومنه قوله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦)} [القمر: ١٦] أي إنذاري، والنذير: الإنذارُ، كالنِّذَارة بالكسر. انتهى (٢).

(لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ") "بين" ظرفٌ لقوله: "نذير وهو بمعنى: قُدّام؛ لأن كلَّ من يكون قُدَّام أحد يكون بين الجهتين السابقتين ليمينه وشماله، وفيه تمثيل، مثّل إنذاره القوم بعذاب الله تعالى النازل على القوم بنذير قوم يتقدّم جيش العدوّ، فيُنذرهم، قاله الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٣).

وفي رواية لأحمد: "أنا النذير، والساعة الْمَوْعِدُ وعند الطبريّ من مرسل قسامة بن زُهير قال: بلغني أنه - صلى الله عليه وسلم - وضع أصابعه في أذنه، ورفع صوته، وقال: "يا صباحاه"، ووصله مرّة أخرى عن قسامة، عن أبي موسى الأشعريّ، وأخرجه الترمذيّ موصولًا أيضًا، قاله في "الفتح" (٤).

[تنبيه]: قال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: أسلوب هذا الحديث يُسمَّى في علم البديع بـ "المذهب الكلاميّ"؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - استنطقهم أَوّلًا بما أقرّوا به أنه صادِق، فلمّا اعترفوا، ألزمهم بقوله: "فإني نذير لكم … إلخ"، أي إذا عرفتم بصدقي،


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٩٩.
(٢) "القاموس المحيط" ص ٤٣٤.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٣٩٧.
(٤) ٨/ ٣٦٢.