ويجاب عنه أيضًا: أن المخفف عنه لَمّا لَمْ يجد أثر التخفف، فكأنه لَمْ ينتفع بذلك، ويؤيد ذلك ما تقدم أنه يعتقد أن ليس في النار أشدّ عذابًا منه، وذلك أن القليل من عذاب جهنم، لا تطيقه الجبال، فالمعذَّب لاشتغاله بما هو فيه يَصْدُق عليه أنه لَمْ يحصل له انتفاع بالتخفيف.
وقد يساعده ما عند البخاريّ من حديث أم حبيبة - رضي الله عنها - في قصة بنت أم سلمة:"أرضعتني وإياه ثويبة"، قال عروة:"إن أبا لهب رؤي في المنام، فقال: لَمْ ألق بعدكم غير أني سُقيت في هذه بعتاقتي ثويبة".
وجوّز القرطبيّ في "التذكرة" أن الكافر إذا عُرِض على الميزان، ورَجَحَت كفة سيئاته بالكفر، اضمَحَلَّت حسناته، فدخل النار، لكنهم يتفاوتون في ذلك، فمن كانت له منهم حسنات، مِن عِتْقٍ، ومواساة مسلم، ليس كمن ليس له شيء من ذلك، فيَحْتَمِل أن يُجازَى بتخفيف العذاب عنه بمقدار ما عَمِل؛ لقوله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} الآية [الأنبياء: ٤٧].
قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: لكن هذا البحث النظريّ معارَضٌ بقوله تعالى: {وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} الآية [فاطر: ٣٦]، وحديث أنس الذي تقدّمت الإشارة إليه.
وأما ما أخرجه ابن مردويه، والبيهقيّ من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - رفعه:"ما أحسن مُحْسن من مسلم، ولا كافر، إلَّا أثابه الله!، قلنا: يا رسول الله، ما إثابة الكافر؟ قال: "المال والولد والصحة، وأشباه ذلك"، قلنا: وما إثابته في الآخرة؟ قال: "عذابًا دون العذاب"، ثم قرأ:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر: ٤٦].
[فالجواب] عنه: أن سنده ضعيف، وعلى تقدير ثبوته، فيَحْتَمِل أن يكون التخفيف فيما يتعلق بعذاب معاصيه، بخلاف عذاب الكفر. انتهى (١).
(فَيُجْعَلُ) بالبناء للمفعول، ونائب فاعله ضمير عمه أبي طالب (فِي ضَحْضَاحٍ) تقدّم ضبطه ومعناه قريبًا (مِنْ نَارٍ) بيان لـ "ضحضاح" (يَبْلُغُ) بالبناء للفاعل، والفاعل ضمير يعود إلى "ضحضاح" (كعْبَيْهِ) تثنية كعب، قال
(١) "الفتح" ١١/ ٤٣٩ - ٤٤٠ "كتاب الرقاق" رقم (٦٥٦٤).