جمرة من جهنّم في أَخْمَصه؟ وسببه أن القليل من عذاب جهنّم - أعاذنا الله منه - لا تطيقه الجبال، وخصوصًا عذاب الكافر، وإنما تظهر فائدة التخفيف لغير المعذَّب، وأما المعذَّبُ فمشتغلٌ بما حَلَّ به؛ إذ لا يُخلَّي، وبغيره يتسلَّي، فيصدُقُ عليه أنه لَمْ ينتفع، ولم يحصل له نفعٌ البتّة. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).
وقال في "الفتح": قوله: "لعله تنفعه شفاعتي" ظَهَر من حديث العباس وقوع هذا الترجي، واستُشكل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تنفعه شفاعتي" بقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)} [المدثر: ٤٨].
وأجيب: بأنه خُصّ، ولذلك عَدُّوه في خصائص النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: معنى المنفعة في الآية يخالف معنى المنفعة في الحديث، والمراد بها في الآية الإخراج من النار، وفي الحديث المنفعة بالتخفيف، وبهذا الجواب جزم القرطبيّ.
وقال البيهقيّ في "البعث": صحَّت الرواية في شأن أبي طالب، فلا معنى للإنكار من حيث صحة الرواية، ووجهه عندي أن الشفاعة في الكفار إنما امتَنَعَت لوجود الخبر الصادق في أنه لا يَشْفَع فيهم أحدٌ، وهو عامّ في حق كلّ كافر، فيجوز أن يُخَصّ منه من ئبت الخبر بتخصيصه، قال: وحمله بعض أهل النظر على أن جزاء الكافر من العذاب يقع على كفره، وعلى معاصيه، فيجوز أن الله يَضَع عن بعض الكفار بعض جزاء معاصيه؛ تطييبًا لقلب الشافع، لا ثوابًا للكافر؛ لأن حسناته صارت بموته على الكفر هباءً.
وأخرج مسلم عن أنس - رضي الله عنه -: "وأما الكافر فيُعطَى حسناته في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لَمْ تكن له حسنة".
وقال القرطبيّ في "المفهم": اختُلِف في هذه الشفاعة، هل هي بلسان قوليّ، أو بلسان حاليّ؟ والأول يُشكل بالآية، وجوابه جواز التخصيص، والثاني يكون معناه: أن أبا طالب لَمّا بالغ في إكرام النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والذبّ عنه جُوزي على ذلك بالتخفيف، فأُطلق على ذلك شفاعة؛ لكونها بسببه، قال: