الآخرة لَمْ تكن له حسنة يُجزَى بها" (١).
وأما مسألة تخفيف العذاب عنهم، فقد نفاه بعض أهل العلم، كالقاضي عياض، كما يظهر من كلامه في "الإكمال"، فقال ما ملخّصه: إن القول: بأنه تخفيف إنما هو بالنسبة لمن هو أشدّ منه عذابًا، لا تخفيف عن"الكافر مما يستحقّه على الكفر، لكن لَمْ يوافقه عليه غيره.
قال البيهقيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ما ورد من الآياتِ والأخبار في بطلان خيرات من مات على الكفر إنما ورد في أنَّها لا تنفعهم في النجاة من النار، ولا في دخول الجنّة، ويجوز أن يُخفّف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات.
وذكر الحافظ أن كلام القاضي لا يردّ كلام البيهقيّ، ثم قال: فإن جميع ما ورد من ذلك فيما يتعلّق بذنب الكفر، وأما ذنب غير الكفر في المانع من تخفيفه؟.
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا خاصّ بمن ورد فيه النصّ.
وقال ابن المنيّر - رَحِمَهُ اللهُ -: هنا قضيّتان:
[إحداهما]: محال، وهي اعتبار طاعة الكافر مع كفره؛ لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح، وهذا مفقود من الكافر.
[الثانية]: إثابة الكافر على بعض الأعمال تفضّلًا من الله تعالى، وهذا لا يُحيله العقل، والمتّبع في ذلك التوقيف نفيًا وإثباتًا. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن المنيّر - رَحِمَهُ اللهُ - حسن جدًّا، وهو معنى ما قاله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -.
وحاصله: أن تخفيف العذاب الوارد في هذه النصوص مقصور على من ورد فيهم، ولا يُتجاوز إلى غيرهم، وأن المراد به تخفيف عذاب غير الكفر، وهو ما قاله البيهقيّ، وحَمَلَ عليه الحافظ قول القاضي عياض، وبهذا تتّفق الأقوال، ويرتفع الخلاف - بحمد الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
(١) سيأتي في "صفة القيامة" برقم (٢٨٠٨).