للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أهل اللغة: لَمْ يجئ من المصادر هكذا غير هاتين، وتُعُقِّب بأنه سمع طِيَبَةٌ، وأورد بعضهم التِّوَلَة، وفيه نظر.

وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر، فإن رأى الطير طار يَمْنَةً تيمّن به، واستمر وإن رآه طار يَسْرَةً تشاءم به ورجع، وربما كان أحدهم يُهِيج الطير ليطير، فيعتمدها، فجاء الشرع بالنهي عن ذلك، وكانوا يسمونه "السانح" - بمهملة، ثم نون، ثم حاء مهملة - و"البارح" بموحدة، وآخره مهملة، فالسانح ما وَلّاك مَيَامِنَهُ، بأن يَمُرَّ عن يسارك إلى يمينك، والبارح بالعكس، وكانوا يتيمنون بالسانح، ويتشاءمون بالبارح؛ لأنه لا يمكن رميه إلَّا بأن يَنْحَرِف إليه، وليس في شيء من سُنُوح الطير وبُرُوحها ما يقتضي ما اعتقدوه، وإنما هو تكلّف بتعاطي ما لا أصل له؛ إذ لا نطق للطير، ولا تمييز، فيُسْتَدَلّ بفعله على مضمون معنىً فيه، وطلب العلم من غير مظانّه جهل من فاعله، وقد كان بعض عقلاء الجاهلية ينكر التطير، ويتمدح بتركه، قال شاعر منهم [من مجزوّ الكامل]:

وَلَقَدْ غَدَوْتُ وَكُنْتُ لَا … أَغْدُو عَلَى وَاقٍ وَحَاتِمِ

فَإِذَا الأَشَائِمُ كَالأَيَامِنِ … وَالأَيَامِنُ كَالأَشَائِمِ

وقال آخر [من البسيط]:

الزَّجْرُ وَالطَّيْرُ وَالْكُهَّانُ كُلُّهُمُ … مُضلِّلُونَ وَدُونَ الْغَيْبِ أَقْفَالُ

وقال آخر [من الطويل]:

وَمَا عَاجِلَاتُ الطَّيْرِ تُدْنِي مِنَ الْفَتَى … نَجَاحًا وَلَا عَنْ رَئِيِّهِنَّ قُصُورُ

وقال آخر [من الطويل]:

لَعَمْرُك مَا تَدْرِي الطَّوَارِقُ بِالْحَصَى … وَلَا زَاجِرَاتُ الطَّيْرِ مَا اللهُ صَانِعُ

وقال آخر [من الوافر]:

تَخَيَّرَ طَيْرَةً فِيهَا زَيادُ … لِتُخْبِرَهُ وَمَا فِيهَا خَبِيرُ

تَعَلَّمَ أَنَّهُ لَا طَيْرَ إِلَّا … عَلَى مُتَطَيِّرٍ وَهُوَ الثُّبُورُ

بَلَى شَيْءٌ يُوَافِقُ بَعْضَ شَيءٍ … أَحَايِينًا وَبَاطِلُهُ كَثِيرُ

وكان أكثرهم يتطيرون، ويعتمدون على ذلك، وَيصِحّ معهم غالبًا؛ لتزيين الشيطان ذلك، وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين.