للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المراد بقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة: ١٠ - ١٢]، فإن أراد أنهم من جملة السابقين فمسلَّمٌ، وإلا فلا.

وقد أخرج أحمد، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، من حديث رِفَاعة الْجهَنيّ قال: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر حديثًا، وفيه: "وَعَدَني ربي أن يُدخل الجَنَّة من أمتي سبعين ألفًا بغير حساب، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبَوَّؤوا أنتم، ومَن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجَنَّة".

فهذا يَدُلّ على أن مزية السبعين بالدخول بغير حساب لا يستلزم أنهم أفضل من غيرهم، بل فيمن يُحاسَب في الجملة مَن يكون أفضل منهم، وفيمن يتأخر عن الدخول ممن تحققت نجاته، وعَرَف مقامه من الجَنَّة يَشفَع في غيره من هو أفضل منهم.

وسيأتي قريبًا من حديث أم قيس بنت محصن - رضي الله عنهما -: أن السبعين ألفًا ممن يُحشر من مقبرة البقيع بالمدينة، وهي خصوصية أخرى، قاله في "الفتح" (١).

(وَلَا يَسْتَرْقُونَ) أي لا يطلبون من أنفسهم، ولا من غيرهم أن يرقيهم (وَلَا يَتَطَيَّرُونَ) أي لا يتشاءمون بإثارة الطيور من مجاثمها، كما كانوا يفعلونه في الجاهليّة. قال الجوهري - رَحِمَهُ اللهُ -: تطيرتُ من الشيء، وبالشيء، والاسم منه الطِّيَرة - بكسر الطاء، وفتح الياء - مثالُ الْعِنَبَة، وقد تسكن الياء، وهو ما يُتشاءم به من الفال الرديء، وقال ابن الأثير - رَحِمَهُ اللهُ -: الطّيَرةُ: مصدر تطيَّر، يقال: تَطَيَّر طِيَرةً، وتَخَيَّر خِيَرةً. قال: ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما، قال: وأصله فيما يقال: التطير بالسوانح والبوارح من الظباء والطير وغيرهما، وكان ذلك يَصُدُّهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع، وأبطله، ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع، ولا دفع ضرر (٢).

وقال في "الفتح": "الطّيَرَة" - بكسر المهملة، وفتح التحتانية، وقد تسكن -: هي التشاؤم بالشين، وهو مصدر تَطَيَّرَ، مثل تَحَيَّر حِيَرَةً، قال بعض


(١) ١١/ ٤١٦ - ٤١٧ "كتاب الرقاق" رقم (٦٥٤١).
(٢) "الصحاح" ٢/ ٦٢٥، و"النهاية" ٣/ ١٥٢.