للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأن فاعل ذلك لا يَأمَن أن يَكِلَ نفسه إليه، وإلا فالرُّقية في ذاتها ليست ممنوعة، وإنما مُنِع منها ما كان شركًا، أو احتمله.

ومن ثَمّ قال - صلى الله عليه وسلم -: "اعْرِضُوا عليَّ رُقَاكم"، و"لا بأس بالرُّقَى ما لَمْ يكن شرك"، ففيه إشارة إلى علة النهي.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا التحقيق الذي ذكره الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا.

وحاصله أن زيادة: "لا يَرقون" في رواية سعيد بن منصور هذه زيادة صحيحة؛ لأن سعيدًا ثقة حافظ، تُقبل زيادته، وليس في قبولها ما يؤدّي إلى معنى منكر؛ لأن النكارة التي ظُنّت فيها، وهي منافاة تمام التوكّل توجد في الاسترقاء أيضًا، فلا معنى لإنكارها وحدها، والمراد أن هؤلاء السبعين قد أعرضوا عن هذه الأسباب، وإن كانت مباحةً؛ طلبًا لتمام التوكّل، فخُصّوا بهذه الدرجة العالية، والله تعالى أعلم.

وقد نَقَل القرطبي - رَحِمَهُ اللهُ - عن غيره أن استعمال الرُّقَى والكيّ قادح في التوكل، بخلاف سائر أنواع الطبّ، وفرَّق بين القسمين بأن البرء فيهما أمر موهوم، وما عداهما مُحَقَّق عادةً، كالأكل والشرب، فلا يقدح، قال القرطبيّ: وهذا فاسد من وجهين: أحدهما: أن أكثر أبواب الطبّ موهوم، والثاني: أن الرُّقَى بأسماء الله تعالى تقتضي التوكل عليه، والالتجاء إليه، والرغبة فيما عنده، والتبرك بأسمائه، فلو كان ذلك قادحًا في التوكل، لَقَدَح الدعاء؛ إذ لا فرق بين الذكر والدعاء، وقد رَقَى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ورُقِي، رقاه جبريل وعائشة، وفَعَل ذلك الخلفاء والسلف، فلو كان مانعًا من اللَّحَاق بالسبعين، أو قادحًا في التوكل لَمْ يقع من هؤلاء، وفيهم من هو أعلى وأفضل ممن عداهم. انتهى (١).

وتُعُقِّب بأنه بَنَى كلامه على أن السبعين المذكورين أرفع رتبةً من غيرهم مطلقًا، وليس كذلك؛ لما سيأتي.

وجَوَّز أبو طالب بن عطية في موازنة الأعمال أن السبعين المذكورين هم


(١) "المفهم" ١/ ٤٦٤ - ٤٦٥.