للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شَيْءٍ قَدِيرٌ}؛ إذ قد استغرق كلَّ الموجودات الممكنات، قاله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

وقال في "الفتح": في الاقتصار على الخير نوعُ تعطيف، ورعاية للأدب، وإلا فالشر أيضًا بتقدير الله تعالى كالخير. انتهى (٢).

(قَالَ: يَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ) وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند البخاريّ: "بعثَ جهنم من ذريتك"، وفي رواية أحمد "نصيبَ" بدل"بعث".

قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "الْبَعْثُ" هنا: بمعنى المبعوث الموَجَّه إليها، ومعناه: مَيِّزْ أهل النار من غيرهم. انتهى (٣). وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: بعثُ النار من يُبعث إليها، وكذلك بعثُ أهل الجنّة، ومعنى "أَخْرِجْ" هنا: ميّز بعضهم عن بعض، وذلك يكون في المحشر حيث يجتمع الناس، ويَختلطون، والله تعالى أعلم، ويَحْتَمِل أن يكون معنى "أَخرِجْ": أي احضُرْ إخراجهم، فكأنهم يُعرَضون عليه بأشخاصهم وأسمائهم، كما قد عُرِضت عليه نسمهم. انتهى (٤).

وقال في "الفتح": والبعثُ: بمعنى المبعوث، وأصلها في السرايا التي يبعثها الأمير إلى جهة من الجهات للحرب وغيرها، ومعناها هنا: مَيِّز أهل النار من غيرهم، وإنما خُصّ بذلك آدم؛ لكونه والد الجميع، ولكونه كان قد عَرَفَ أهل السعادة من أهل الشقاء، فقد رآه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء، "وعن يمينه أَسْوِدة، وعن شماله أسودة … "الحديث، كما تقدم في حديث الإسراء، وقد أخرج ابن أبي الدنيا من مرسل الحسن: "قال: يقول الله لآدم: يا آدم، أنت اليومَ عَدْلٌ بيني وبين ذريتك، قم فانظر ما يُرْفَع إليك من أعمالهم".

(قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟) الواو عاطفة على شيء محذوف، تقديره: سمعتُ وأطعتُ، وما بعث النار؟: أي وما مقدار مبعوث النار؟ وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "فيقول: يا رب كم أخرج؟ "، قاله في "الفتح".

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وُضعت"ما" هنا موضع "كم" العدديّة؛ لأنه أُجيب عنها بالعدد، وأصل "ما" أن يُسأل بها عن ذوات الأشياء، وحُدودها. انتهى.


(١) "المفهم" ١/ ٤٧١.
(٢) "الفتح" ١١/ ٣٩٧.
(٣) "شرح النوويّ" ٣/ ٩٧.
(٤) "المفهم" ١/ ٤٧٠.