نفيسٌ، وبحث أنيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الحادية عشرة): في اختلاف أهل العلم: هل توزن الأعمال، أم ثوابها؟:
ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" ٢/ ٢٠٣ اختلافهم في ذلك، فقال رحمه الله عند قوله عز وجل:{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} الآية [الأعراف: ٨] ما نصّه:
والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل: الأعمال، وإن كانت أعراضًا، إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجسامًا، قال البغوي: يُرْوَى نحو هذا عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، كما جاء في "الصحيح" من "أن البقرة، وآل عمران، يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيابتان، أو فرقان من طير صواف".
ومن ذلك في "الصحيح" قصة القرآن، وأنه "يأتي على صاحبه في صورة شابّ شاحبِ اللون، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي أسهرت ليلك، وأظمأت نهارك".
وفي حديث البراء في قصة سؤال القبر:"فيأتي المؤمن شابٌّ، حسنُ اللون طيب الريح، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح"، وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق. وقيل: يوزن كتاب الأعمال، كما جاء في حديث البطاقة في الرجل الذي يؤتى به، ويوضع له في كفة تسعة وتسعون سِجِلًّا، كل سِجِلّ مدّ البصر، ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها لا إله إلا الله، فيقول: يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى: إنك لا تظلم، فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة"، رواه الترمذي بنحو من هذا، وصححه.
وقيل: يوزن صاحب العمل، كما في الحديث:"يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين، فلا يَزِن عند الله جناح بعوضة، ثم قرأ:{فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}، وفي مناقب عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتعجبون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أُحد".
وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحًا، فتارةً توزن الأعمال، وتارةً توزن مَحَالّها، وتارة يوزن فاعلها، والله تعالى أعلم. انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى.