للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكان من آخر يومه عتيقًا من النار" (١).

وقد اشترى جماعة من السلف أنفسهم من الله عز وجل بأموالهم، فمنهم من تصدّق بماله كله، كحبيب بن أبي محمد، ومنهم من تصدق بوزنه فضةً ثلاث مرات، أو أربعًا، كخالد الطحان، ومنهم من كان يجتهد في الأعمال الصالحة، ويقول: إنما أنا أسير، أسعى في فَكاك رقبتي، منهم عمرو بن عُتبة، وكان بعضهم يسبّح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة بقدر ديته، كأنه قد قَتَل نفسه، فهو يفتكّها بديتها.

قال الحسن: المؤمن في الدنيا كالأسير يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئًا حتى يلقى الله عز وجل، وقال: ابنَ آدم، إنك تغدو وتروح في طلب الأرباح، فليكن همك نفسك، فإنك لن تربح مثلها أبدًا.

قال أبو بكر بن عياش: قال لي رجل مرةً، وأنا شابّ: خَلِّص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الآخرة، فإن أسير الآخرة غير مفكوك أبدًا، قال: فوالله ما نسيتها بعدُ.

وكان بعض السلف يبكي، ويقول: ليس لي نفسان، إنما لي نفس واحدة، إذا ذهبت لم أجد أخرى.

وقال محمد ابن الحنفية: إن الله عز وجل جعل الجنة ثمنًا لأنفسكم، فلا تبيعوها بغيرها، وقال أيضًا: من كَرُمت نفسه عليه لم يكن للدنيا عنده قدر، وقيل له: من أعظم الناس قدرًا؟ قال: من لم ير الدنيا كلها لنفسه خطرًا.

وأنشد بعض المتقدمين [من الطويل]:

أُثَامِنُ بِالنَّفْسِ النَّفِيسَةِ رَبَّهَا … وَلَيْسَ لَهَا فِي الْخَلْقِ كُلِّهِمُ ثَمَنْ

بِهَا تُمْلَكُ الأُخْرَى فَإِنْ أَنَا بِعْتُهَا … بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا فَذَاكَ هُوَ الْغَبَنْ

لَئِنْ ذَهَبَتْ نَفْسِي بِدُنْيَا أُصِيبُهَا … لَقَدْ ذَهَبَتْ نَفْسِي وَقَدْ ذَهَبَ الثَّمَنْ

انتهى ما كتبه الحافظ ابن رجب رحمه الله ببعض تصرّف (٢). وهو تحقيقٌ


(١) أورده الهيثميّ في "المجمع" ١٠/ ١١٣ - ١١٤ وقال: رواه الطبرانيّ في "الأوسط"، وفيه من لم أعرفه. انتهى.
(٢) راجع "جامع العلوم والحكم" ٢/ ٥ - ٣١.