والمعنى قد أفلح من زَكَّى نفسه بطاعة الله، وخاب من دسّاها بالمعاصي، فالطاعة تُزكي النفس، وتطهرها، فترتفع بها، والمعاصي تُدَسِّي النفس، وتقمعها، فتنخفض، وتصير كالذي يُدَسّ في التراب.
ودَلّ الحديث على أن كل إنسان إما ساعٍ في هلاك نفسه، أو في فَكاكها، فمن سعى في طاعة الله، فقد باع نفسه لله، وأعتقها من عذابه، ومن سعى في معصية الله تعالى، فقد باع نفسه بالهوان، وأوبقها بالآثام الموجبة لغضب الله وعقابه، قال الله تعالى:({إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١)} [التوبة: ١١١]، وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧)} [البقرة: ٢٠٧]، وقال تعالى:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزمر: ١٥]، وفي "الصحيحين"، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزل الله عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)} [الشعراء: ٢١٤]: "يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئًا"، وفي رواية البخاريّ:"يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله، يابني عبد المطلب اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عمة رسول الله، يا فاطمة بنت محمد اشتريا أنفسكما من الله، لا أملك لكما من الله شيئًا"، وفي رواية لمسلم: أنه دعا قريشًا فاجتمعوا، فعَمّ وخَصّ، فقال:"يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئًا".
وأخرج الطبرانيّ، والخرائطيّ، من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - مرفوعًا: "مَن قال إذا أصبح: سبحان الله وبحمده، ألف مرة، فقد اشترى نفسه من الله،