للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لم يستحلّ ذلك، فقد اختُلف في كفره، وهو مستحقّ للعقوبة الغليظة، لكن إن كان قادرًا على الاغتسال بالماء اغتسل، وإن كان عادمًا للماء، أو يخاف الضرر باستعماله لمرض، أو خوف برد تيمّم وصلّى، وإن تعذّر الغسل والتيمم صلّى بلا غسل، ولا تيمّم في أظهر أقوال العلماء، ولا إعادة عليه. انتهى كلامه (١)، وهو تحقيق نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

وقال النوويّ بعد كلامه السابق: وهذا كله إذا لم يكن للمصلي محدثًا عذرٌ، أما المعذور، كمن لم يجد ماءً، ولا ترابًا، ففيه أربعة أقوال للشافعي رحمه الله تعالى، وهي مذاهب للعلماء، قال بكل واحدة منها قائلون، أصحها عند أصحابنا يجب عليه أن يصلي على حاله، ويجب أن يعيد إذا تمكّن من الطهارة. والثاني: يحرم عليه أن يصلي ويجب القضاء. والثالث: يستحبّ أن يصلي، ويجب القضاء، والرابع: يجب أن يصلي، ولا يجب القضاء، وهذا القول اختيار المزنيّ، وهو أقوى الأقوال دليلًا.

فأما وجوب الصلاة، فلقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا أمرتكم بأمر، فافعلوا منه ما استطعتم"، متّفقٌ عليه.

وأما الإعادة فإنما تجب بأمر مُجَدَّد، والأصل عدمه، وكذا يقول المزني: كُلُّ صلاةٍ أُمِرَ بفعلها في الوقت على نوع من الخلل، لا يجب قضاؤها، والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله تعالى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي ذهب إليه المزنيّ، وقوّاه النوويّ رحمهما الله دليلًا من أن كلّ صلاة أُمر بها الشخص بفعلها في الوقت، فأدّاها بنوع من الخلل لعذر، فإنها مجزئة، لا يلزمه قضاؤها، هو الحقّ عندي؛ لأنه أدّى ما وجب عليه على قدر استطاعته، وقد قال الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، وللحديث المتّفق عليه المذكور آنفًا، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): اختُلف في موجب الوضوء ما هو؟ على ثلاثة أوجه:


(١) راجع "مجموع الفتاوى" ٢١/ ٢٩٥.
(٢) "شرح النووي على صحيح مسلم" ١/ ١٠٢ - ١٠٣.